السبت، 20 يونيو 2020

وجه الحائط

ثمة لحظة يمكن أن يشبه فيها وجه المرء تلك المساحة الصغيرة التي ينظر إليها في الحائط، والأشبه بدائرة محددة بخط وهمي، غير منتظم .. اللحظة التي يكون متيقنًا خلالها أن هذه النظرة الصامتة هي آخر ما يملك أن يفعله في الحياة .. حينها؛ ستكون تلك المساحة الصغيرة في الحائط هي وجهك الأكثر أصالة، الذي لن تفقد ذاكرتك ملامحه بمجرد إغماض عينيك .. لن يمكن للأنفاس والنظرات والكلمات التي تتساقط من هذا الوجه أن تتنكر في وجود آخر، بل ستظل محتفظة بطبيعتها كفضلات قسرية، مجهولة المنشأ .. ستكون هذه الدائرة هي الوجه الذي لن يفنى بعد موتك حتى لو تحوّل الحائط إلى ذرات غبار متلاشية .. ربما خاصة لو كانت ملامحك لشخص يعجز عن تصديق ما أهدره خلال سنوات طويلة، ولا يعرف كيف يمكنه التعويض فيما تبقى من ثوان قليلة، ليست مضمونة حتمًا .. ربما خاصة لو كانت الأحلام التي ترجو استدراك الماضي من أجلها قد تبددت بالفعل.
عندما يصل المرء إلى تلك النظرة سيصبح منطقيًا حقًا أن تحل تلك المساحة الصغيرة في الحائط موضع وجهه داخل الصور الفوتوغرافية في البراويز والألبومات وبطاقات الهوية .. لن يكون غريبًا على الإطلاق لو استهدفتها القبلات والصفعات والأقنعة .. سيصير بديهيًا أن يكتب غريب لم يراوده أدنى شك في كونه يعرفك جيدًا حكاية ما عن حياتك المنتهية تبدأ بـ "استيقظ من النوم ثم غسل الدائرة المحددة بخط وهمي غير منتظم"، وفي منتصفها: "لم يعد بوسعه سوى التضرع إلى السماء بتلك المساحة الصغيرة الخاشعة على الحائط"، ثم يختتم الحكاية: "وحينئذ أشرقت الدائرة التي ظل ينظر إليها طويلًا بسعادة كاملة".
أنطولوجيا السرد العربي ـ 17 يونيو 2020
اللوحة لـ  Andrew Wyeth