امرأة لم تعد تعيش بالبيت، ولا بأي مكان آخر في الدنيا .. لكن الولد الصغير يسهر كل يوم ليشاهد أباه وهو يحاول استعادتها من كتلة حجرية كبيرة قد تشبه الموت .. كان الولد يستمع دائمًا إلى موسيقى ساحرة تنبعث من النافذة المفتوحة برفقة النسمات الليلية المتلاحقة، وعندما كشفت يدا الأب بالإزميل والمطرقة عن الشعر القصير؛ تذكر الولد نعومته الطفولية، وهي تمشطه ثم تعقصه خلف رأسها .. حينما برزت عيناها استرجع ضعف بصرها، ونظرتها الحريرية المسالمة .. مع ظهور يدها أحس بدفء احتضانها الرقيق لكفه، وهي تأخذه إلى المدرسة، أو تصحبه معها إلى السوق .. كان يجلس وينتظر، ويتأمل الحنين وهو يقاوم التعب الذي يثقل ملامح أبيه، ويفرح مثله كلما تخيل الوجه الوديع على وشك أن يتكلم بصوتها الخافت المعهود.
كل ليلة بعد أن ينام الأب كي يحلم بما لم ينتزعه بعد من الكتلة الحجرية الكبيرة، يذهب الولد الصغير إلى التمثال، ومعه كراسة الرسم وعلبة الألون ليجلس أمامه على نحو أقرب مما كان يفعل أثناء انشغال أبيه بالنحت .. يواصل بأصابع مرتعشة رسم مشهد المرأة الجميلة التي تجلس مبتسمة في سعادة فوق أرجوحة واسعة، محاطة بالأشجار والزهور، بجوار بحيرة مستكينة بصفاء لامع.
بعد سنوات كثيرة .. جلس الولد الذي لم يعد صغيرًا أمام التمثال الحجري ومعه كراسة رسم قديمة .. كانت الدموع التي حبسها طويلًا تتساقط من عينيه، وهو يضيف الرجل الذي نحت التمثال إلى الأرجوحة بجوار المرأة الجميلة.
حينما أصبح الولد كبيرًا جدًا، وبعد أن أصبح لديه طفلة صغيرة، تحب النظر إلى الغيوم، واستقبال قطرات المطر في راحتي يديها، وتتساءل طوال الوقت عن الحياة والموت، وبعد أن فشل في القيام بما يفعله الآخرون الذي يحاصرون عزلته: أن يتكلم بهدوء، وبراحة أعصاب ثابتة، وأن يتجهم ويبتسم ويضحك برصانة أخّاذة، وأن يعرف بشرًا كثيرين، وأن يعيش في أماكن رائعة، وأن ينظّم خطواته على نحو يحميه من الندم، وأن يبتكر دعابات تاريخية تتيح لذكرياته ـ على الأقل ـ أن تهيمن على مدينته؛ لم يُعلّم طفلته الصغيرة كيف ترسمه بعد الموت جالسًا بين المرأة والرجل فوق الأرجوحة، بل رسم نفسه أولًا على هيئة طائر هزيل، يحاول الخروج من اللوحة بعيدًا عن الأرجوحة المحاطة بالأشجار والزهور بينما تنعكس صورة هروبه فوق سطح البحيرة .. كانت تبدو السماء في اللوحة مع محاولة انفلاته كأنما تحوّلت إلى سقف أزرق صلب، مزيّن بدوائر وخطوط بيضاء غير منتظمة .. علّم الولد الكبير جدًا ابنته الرسم، ثم طلب منها الاحتفاظ باللوحة القديمة، كي تُعيد بعد موته الطائر المحلّق، الذي ظل يحاول الخروج بعيدًا إلى النوم بين الرجل والمرأة المبتسمين فوق الأرجوحة، وأن تجعل أيديهما تحتضن جسده المنكمش.
كل ليلة بعد أن ينام الأب كي يحلم بما لم ينتزعه بعد من الكتلة الحجرية الكبيرة، يذهب الولد الصغير إلى التمثال، ومعه كراسة الرسم وعلبة الألون ليجلس أمامه على نحو أقرب مما كان يفعل أثناء انشغال أبيه بالنحت .. يواصل بأصابع مرتعشة رسم مشهد المرأة الجميلة التي تجلس مبتسمة في سعادة فوق أرجوحة واسعة، محاطة بالأشجار والزهور، بجوار بحيرة مستكينة بصفاء لامع.
بعد سنوات كثيرة .. جلس الولد الذي لم يعد صغيرًا أمام التمثال الحجري ومعه كراسة رسم قديمة .. كانت الدموع التي حبسها طويلًا تتساقط من عينيه، وهو يضيف الرجل الذي نحت التمثال إلى الأرجوحة بجوار المرأة الجميلة.
حينما أصبح الولد كبيرًا جدًا، وبعد أن أصبح لديه طفلة صغيرة، تحب النظر إلى الغيوم، واستقبال قطرات المطر في راحتي يديها، وتتساءل طوال الوقت عن الحياة والموت، وبعد أن فشل في القيام بما يفعله الآخرون الذي يحاصرون عزلته: أن يتكلم بهدوء، وبراحة أعصاب ثابتة، وأن يتجهم ويبتسم ويضحك برصانة أخّاذة، وأن يعرف بشرًا كثيرين، وأن يعيش في أماكن رائعة، وأن ينظّم خطواته على نحو يحميه من الندم، وأن يبتكر دعابات تاريخية تتيح لذكرياته ـ على الأقل ـ أن تهيمن على مدينته؛ لم يُعلّم طفلته الصغيرة كيف ترسمه بعد الموت جالسًا بين المرأة والرجل فوق الأرجوحة، بل رسم نفسه أولًا على هيئة طائر هزيل، يحاول الخروج من اللوحة بعيدًا عن الأرجوحة المحاطة بالأشجار والزهور بينما تنعكس صورة هروبه فوق سطح البحيرة .. كانت تبدو السماء في اللوحة مع محاولة انفلاته كأنما تحوّلت إلى سقف أزرق صلب، مزيّن بدوائر وخطوط بيضاء غير منتظمة .. علّم الولد الكبير جدًا ابنته الرسم، ثم طلب منها الاحتفاظ باللوحة القديمة، كي تُعيد بعد موته الطائر المحلّق، الذي ظل يحاول الخروج بعيدًا إلى النوم بين الرجل والمرأة المبتسمين فوق الأرجوحة، وأن تجعل أيديهما تحتضن جسده المنكمش.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 14 نوفمبر 2017