ثمة محاولات روائية حدثوية، يري مبدعوها إن الغوص في حفائر السّرد،
يبدأ من رسم الشخصيات، وتقديمها في نصيّة الرواية من خلال رؤية فنية، تري أنّ
الشخصيّة الواحدة لا تنطوي علي ذات واحدة، بل مجموعة من الذوات التي غالبا ما تكون
متعارضة ومتنافرة، وفق الأحوال التي يضعها المبدع فيها مما يجعل السرد قادرا علي
التشظيّ في كل مستوي من مستويات الدلالة، في واقع كل شخصية، والدخول في مستوي
علاقاتها التبادلية مع الآخر، الذي يبرز من خلال مواقفه، ولذلك كان من البدهي أن
تصل إلي التعارض، أو التناقض أو التنافر، لاسيما إن كان شغل الفعل الكتابي الروائي
معنيًّ بالدخول إلي عوالم كثيرة، من خلال أزمنة متناقضة تاريخيا وإبداعيا، فيأتي
إسقاطها ليس نوعا من المحاكاة أو استخلاصها للعبر، وإنما كتجريب إبداعي يساعد
الراوي علي الدخول في تفاصيل حياتية يغلب عليها الطابع النرجسي والنزوع الفلسفي،
من خلال عقدة تلّبست البطل في مراحل طفولته الأولي، وعاشت معه هاجسا نفسيا لم
يفارقه.
هذا ما اشتغل عليه الروائي المبدع (ممدوح رزق) في روايته اللافتة للانتباه، والمثيرة للجدل (الفشل في النوم مع السيدة نون) الصادرة عن دار الحضارة للنشر. وحرف النون في الرواية حرف مستعار، يشير إلي نون النسوة جميعهن، علي أن هذا لم يفقد الرابط بين هذه النون وأم الراوي نفسه:»لكن الأهم هو أن أمي يبدأ اسمها في الواقع بحرف النون أيضا » ص194 لتحفز هذه النون أبعاد عقدة الراوي الأوديبية التي بدأت بعشقه لثدي أمه: » ثديا أمي كانا ثديي أم تقليدية في أواخر الأربعينات، ضخمين ومترهلين بحلمتين كبيرتين، تشبهان نصفي إصبعين سمينين، ويبرزان بقوة من خلال عينين واسعتين، لونهما بني غامق، ثديان عريضان، أقرب إلي مستطيلين يتدليان بالطول، ويبدو عليهما جمال الامتلاء المتـماسك» ص5
ويتكرر تعلقه بالأثداء من خلال ثديي جدته وثديي أخته »أختي ما رأيت جسمها إلا مرتين تقريبا.. كانت تُغير ملابسها، ورأيتها تخلع سوتيانها بقوة لأعلي، فاندفع ثدياها بعنف لأسفل، لم يكونا صغيرين» ص12، وتتعمق عقدة الأثداء عنده والذي سرعان ما تحوّل إلي هوس عندما بدأ يلعب لعبة عريس وعروسة مع ابنتي خالته »جسمان جميلان وممتعان، تحت أمري مختبئتين وراء سوتيان ويفكران في، وينتظران الفرصة حتي يخرجا من أجلي أمسك بهما وألعب فيهما» ص29.
في عشقه للأثداء التي لم يستطع مقاومتها بدأت مشكلته النفسية، التي أفضي بها علي شكل اعترافات سردها إلي طبيب النفسي، الذي لم يكن أكثر من مستـمع صامت ولم يقف موقف المحاور أو السائل، أو المتسائل، وهذا ما يضعنا أمام افتراض يشير إلي أن هذا الطبيب لم يكن إلا:
1ـ شخصية متخيلة استعان بها الراوي للكشف عن أسراره الحياتية والنفسية والجنسية، حيث من المستحيل أن يكون حقيقة لانتفاء دوره الوظيفي في معالجة مريضه.
2ـ لم يكن سوي الأخر النفسي الذي يعيش في أعماق الراوي والذي يشعر تجاهه بقلق أو خوف من ممارساته الخاطئة فينصب أمامه ضميرا نفسيا يعيش في داخله، وهذا ما يؤكده امتداد الاعترافات علي مسافة خمسة عشرة هامشا، ارتبط كل هامش بلازمة وإحالة.
لازمة واحدة لم تتكرر، تقول:(هامش الرجل الذي تمني أن يكون طبيبا نفسيا، أو)
في تحليل الأزمة إلي عناصرها نجد أن:
1 ـ المفتتح: هامش والهامش مجرد إضافة إلي النص، ليس متناً له أو جزءا منه.
2 ـ الرجل الذي لم يكن في الواقع المحايد ليس الراوي نفسه.
3 ـ تمني الفعل الذي يشير إلي التـمني في أن يكون طبيبا نفسيا.
4 ـ أو الحرف العاطف والرابط مابين اللازمة والإحالة التي تغيرت مع كل هامش.
ـ هامش الرجل الذي تمني أن يكون طبيبا نفسيا أو:
1ـ طفلا يلعب (river raid).
2ـ أو صائغًا في البصرة ص26.
3ـ أو مونولوجست في كازينوهات عماد الدين ص39.
4ـ أو طفلا في إعلان لافاش كيري ص49.
5ـ أو ملحنا، وعازف جيتار في الثمانينيات ص65.
6ـ أو ناقدا فنيا لبنانيًا في السبعينيات ص76.
7ـ أو مصورا في مجلة بلاي بوي ص87.
8ـ أو مؤلف jazz ص101.
9ـ أو كاتبا مسرحيات في الستينيات ص113.
10ـ أو محررا أدبيا في التسعينيات ص125
11ـ أو ممثلا كوميديا ص137.
12ـ أو مخرج افلام بوليسية ورعب ص146.
13ـ أو باحثٍ في التراث الشعبي ص157.
14ـ أو خالق شخصيات كارتون ص171.
15ـ أو: صاحب مقهي باريسي في الثلاثينيات ص195.
من يتأمل في البدائل المطروحة لأمنيته بأن يكون طبيبا نفسيا يلاحظ أنها تشير إلي:
1ـ العودة للطفولة تلعب علي الريفر ريد أو يظهر في إعلانات البقرة الضاحكة لافاش كيري.
2ـ العمل في الفن كـ:
أ ـ مونولوجست في كازينوهات عماد الدين.
ب ـ ملحنا وعازف جيتار.
ج ـ مصورا في مجلة بلاي بوي.
د ـ ممثلا كوميديا.
هـ ـ مخرج أفلام بوليسية ورعب.
و ـ خالق شخصيات كارتون.
ز ـ مؤلف جاز.
3ـ وفي مجال الإبداع أن يكون:
أ ـ ناقدا فنيا: لبنانيًا وبالتحديد، ومتي في السبعينيات.
ب ـ كاتبا مسرحيا وفي الستينيات.
ج ـ باحثا في التراث الشعبي.
أما بدائل العمل الحرّ فكل ما كان يتمناه أن يكون إما.
أ ـ صائغا.. وأين؟ في البصرة تحديدا، أو.
ب ـ صاحب مقهي، أين؟ في باريس، ومتي في الثلاثينيات.
وبغض النظر عن طبيعة البدائل المتنافرة، فان تحديده للزمن الذي راج بين الثلاثينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات ثم التسعينيات، إنما له ارتباط في شيوع تلك البدائل في تلك الأزمان، وهي إشارة تشكل كل واحدة منها عتبة تُدخل قارئها إلي الفصل الذي عنوّن به والذي انقسم بدوره إلي مساحتين سرديتين كان من أهم السمات المشتركة في المساحة الأولي التركيز علي القرون الوسطي ففي الهامش الأول »يمكن لنا تبادل الشخصيات باستـمرار داخل لوحات (ادموند بلير ليتون) عن القرون الوسطي» ص24.
وفي الهامش الثاني:»كأن الجلسة تحدث عن هامش المعركة الكبري التي دارت بين (الاثنيين) والنساء المحاربات (الأمازون) ذلك لانني اضطررت لمناقشته في آراء (اريك فروم) حول التأمل الفكري، والشعور ووظيفة المجتـمع في زرع الوهم داخل الذهن لحجب الحقيقة» ص26.
في الهامش الرابع: » يقرأ أمامي فقرة قصيرة عن العلاقة بين روما القديمة والقوط الغربيين في أسبانيا، استـمع إليه متأكدا من أنّ الـ(هو) لديه قد بلغ أقصي درجات الرّغبة في قتل (الأنا) و(الأنا العليا) وتحنيطها» ص49.
في الهامش الحادي عشر: »أنا فلاح العصور الوسطي الذي يعيش في كوخ فقير، وينام علي كيس مملوء بالقش، ويأكل الخبز الأسمر، والبيض والدواجن والخضروات، لا يشتري اللحم إلا نادرا، ويستـمني كل ليلة علي نساء السيد صاحب الأرض» ص137.
في الهامش الثاني عشر:» يتخيل حكايات بين الاستقراطيين، والكهنوت والعمال في العصور الوسطي، مستدعيا (حكايات كانتربري) و (جفري تشوسر) يقول: انه لا تكفي رواية واحدة ولا أكثر من رواية لتناول القرون الوسطي» ص46.
ويبقي السؤال.. هل العودة إلي العصور الوسطي خدم نصيّة الرواية؟ هل كانت إحالات إسقاط تاريخي أو لغوي أو اجتـماعي؟
في الحقيقة نجدها مجرد إضاءات عادية أشارت إلي:
أ ـ أسلوب التناول المعتـمد علي الفلسفة والغموض في خفايا النفس وهي تشتغل علي بدائل التـمني التي لها علاقة بالإبداع والفن والعمل.
ب ـ عتبات تناولية أفضت إلي المستوي السردي الثاني الذي شكل محور الرواية والدخول في أعماق الراوي وهو يعيش عُقد الأم، الجنس، المرأة، الأثداء وبالتالي مزج الأدب بالسياسة وبالفن»أنا أرفض وبشدة مصطلح (الفن المسيحي في القرون الوسطي فيه من التضليل ما يفوق الإهمال الذي لاقاه تحليل (هيجل) عن الديالكتيك في القُبلة (اختلاط الأفكار والرغبات المتناقضة في التقاء شفاه الرجل بشفاه المرأة )» ص50
لذلك كانت المرأة بجسدها هاجسه الأساسي الذي نما وارتفع مع السيدة (ن) الشاعرة المتفوقة ذات القوة التي انفردت بها شخصيتها، ابتدأت العلاقة بلكمة كتبتها تعلق من خلالها علي نص شعري كتبه قالت فيه(لسّه فيه شعر وحش كده) ص51 »شعرت بغضب هائل يا دكتور لأنني اعتبرته - وقتها - تعليقا مهينا - رغم كونه تافها ولا علاقة له بالشعر، ولا بالكتابة، ولا بأي شئ سوي بخراء البيض» ص21. لتتحول الحكاية إلي عقدة نفسية تُضاف إلي عقده علي الرغم من أنه عرفها عن قرب والتقي بها أكثر من مرة إلا انه لم يستطع أن ينام معها كما فعل مع كثيرات لتبقي عقدة متحفزة في داخله، ومع ذلك لم تكن قصصه مع (نون) محور الرواية ومتنها الرئيس إنما إضافة نفسية اشتغلت علي استفزاز الراوي المبدع (الذكر) القوي النشيط الذي لم يستطع النوم معها ليتشظي السرد بين المستويين السرديين يبتعدان زمنيا ويلتقيان إبداعيا في نسقين اثنين هما:
في النسق الأول ضم مجموعات من الإحالات التي لها علاقة بتواتر النفس وانفعالها وشدة شبقها الجنسي ومن ذلك:
1ـ هدم الكتابة والكتاب الذين يزيدون جرعة البذاءة في كتاباتهم ويخقونها بناءً علي المزاج الحاضر لوقاحتي ص102.
هذه الوقاحة التي اعترف بها ربما تجاوزت حدود اللياقة الأدبية مما أدي إلي:
2ـ ذلك التوصيف الجنسي المقزز بحجة أننا نعيش »مراحل الفمية والشرجية والقضيبية، والكمون والتناسلية بتجاوز وتلازم وتداخل، نحن نزاوج التثبيت والنكوص، وتحول الطوّر التطور الجنسي إلي لعبة بينج بونج» ص128.
وفي الصفحة 174 نقرأ حول الموضوع الانتقادي نفسه الذي دخل إليه في معبر السينـما ودورها لاسيـما من هزيمته 67 وذلك من خلال الفيلم المعروف (أنف وثلاث عيون)، الذي أنتج عام 1972، وهي الفترة التي كان علي السينـما المصرية أن تولي جانبا من اهتـمامها بالخطاب السائد عن الانحياز الأخلاقي الناجم عن اليأس بعد هزيمة 67 وموت عبد الناصر، وعن الانتـماءات الوطنية، والقومية التي تمت خيانتها في ظل فوضي اقتصادية، ومراعاة سياسية، وبداية صعود طبقة جديدة من البورجوازيين المتحالفين مع بيروقراطية القطاع العام ص275، وأيا كانت الدوافع لاختيار ذلك المستوي السردي الفاضح والمضلل فانه لم يخدم الرواية إلا في إظهار نرجسية الراوي التي هي نرجسية المؤلف نفسه والتي دفعته لان يكون شريكا في النص نفسه، في الصفحة 176 نقرأ:»خلال مناقشتي لروايتي (خلق الموتي) بنادي أدب المنصورة، وتعليقا علي احدي المداخلات، رفض (د/يسري عبد الله)، وضع اسمي في قائمة واحدة مع الأسماء الساردة القاهرية المعروفة - لنا - مؤكدا أنه بعد قراءته للرواية ومجموعتي القصصيّة (قبل القيامة بقليل) يعتبرني متجاوزا لهم.هذه الأنا النرجسية الإبداعية تداخلت بشكل قسري في نهاية الرواية التي خصص معظمها للحديث عن نفسه بلغة الأنا »أريد أن يقال عن هذه الرواية (لقد وقف ممدوح رزق عاريا في ميدان مزدحم، ثم أطلق من فوّهة عضوه العفاريت كي يعذبها ـ للحظات ـ بالخروج منه، قبل أن ترتد إلي داخله ثانية» ص196.بالطبع كل من يقرأ الرواية سيقول ذلك وأكثر في ذلك فهو أمام نص روائي مختلف جدا حدثوي إلي أبعد حدود الحداثة، تقني إلي أرفع درجات التقنية.
نصٌ إبداعي جرئ تماهي فيه الإبداعي السردي المتقن مع النرجسي والجنسي والفوقي والدوني في الوقت نفسه، مقدما المؤلف من خلاله أنموذجا فنيا علي قدرة الرواية علي الاحتضان والتجاوز لخلق سمة فنية خاصة بها وبمبدعها الذكي الذي يتحدث الناس عنه كما يقول في روايته. أنه »الناقد الذي يتحدثون دائما عن براعته في الحفر داخل النصوص» ص197، وبالفعل كان حفارا سرديا بارعا في نصيّة هذه الرواية التي تحتاج إلي أكثر من قراءة ومن خلال أكثر من مستوي نقدي حتي تبدي إحالات إبداعها علي المستويين الشكلاني والمضموني.
هذا ما اشتغل عليه الروائي المبدع (ممدوح رزق) في روايته اللافتة للانتباه، والمثيرة للجدل (الفشل في النوم مع السيدة نون) الصادرة عن دار الحضارة للنشر. وحرف النون في الرواية حرف مستعار، يشير إلي نون النسوة جميعهن، علي أن هذا لم يفقد الرابط بين هذه النون وأم الراوي نفسه:»لكن الأهم هو أن أمي يبدأ اسمها في الواقع بحرف النون أيضا » ص194 لتحفز هذه النون أبعاد عقدة الراوي الأوديبية التي بدأت بعشقه لثدي أمه: » ثديا أمي كانا ثديي أم تقليدية في أواخر الأربعينات، ضخمين ومترهلين بحلمتين كبيرتين، تشبهان نصفي إصبعين سمينين، ويبرزان بقوة من خلال عينين واسعتين، لونهما بني غامق، ثديان عريضان، أقرب إلي مستطيلين يتدليان بالطول، ويبدو عليهما جمال الامتلاء المتـماسك» ص5
ويتكرر تعلقه بالأثداء من خلال ثديي جدته وثديي أخته »أختي ما رأيت جسمها إلا مرتين تقريبا.. كانت تُغير ملابسها، ورأيتها تخلع سوتيانها بقوة لأعلي، فاندفع ثدياها بعنف لأسفل، لم يكونا صغيرين» ص12، وتتعمق عقدة الأثداء عنده والذي سرعان ما تحوّل إلي هوس عندما بدأ يلعب لعبة عريس وعروسة مع ابنتي خالته »جسمان جميلان وممتعان، تحت أمري مختبئتين وراء سوتيان ويفكران في، وينتظران الفرصة حتي يخرجا من أجلي أمسك بهما وألعب فيهما» ص29.
في عشقه للأثداء التي لم يستطع مقاومتها بدأت مشكلته النفسية، التي أفضي بها علي شكل اعترافات سردها إلي طبيب النفسي، الذي لم يكن أكثر من مستـمع صامت ولم يقف موقف المحاور أو السائل، أو المتسائل، وهذا ما يضعنا أمام افتراض يشير إلي أن هذا الطبيب لم يكن إلا:
1ـ شخصية متخيلة استعان بها الراوي للكشف عن أسراره الحياتية والنفسية والجنسية، حيث من المستحيل أن يكون حقيقة لانتفاء دوره الوظيفي في معالجة مريضه.
2ـ لم يكن سوي الأخر النفسي الذي يعيش في أعماق الراوي والذي يشعر تجاهه بقلق أو خوف من ممارساته الخاطئة فينصب أمامه ضميرا نفسيا يعيش في داخله، وهذا ما يؤكده امتداد الاعترافات علي مسافة خمسة عشرة هامشا، ارتبط كل هامش بلازمة وإحالة.
لازمة واحدة لم تتكرر، تقول:(هامش الرجل الذي تمني أن يكون طبيبا نفسيا، أو)
في تحليل الأزمة إلي عناصرها نجد أن:
1 ـ المفتتح: هامش والهامش مجرد إضافة إلي النص، ليس متناً له أو جزءا منه.
2 ـ الرجل الذي لم يكن في الواقع المحايد ليس الراوي نفسه.
3 ـ تمني الفعل الذي يشير إلي التـمني في أن يكون طبيبا نفسيا.
4 ـ أو الحرف العاطف والرابط مابين اللازمة والإحالة التي تغيرت مع كل هامش.
ـ هامش الرجل الذي تمني أن يكون طبيبا نفسيا أو:
1ـ طفلا يلعب (river raid).
2ـ أو صائغًا في البصرة ص26.
3ـ أو مونولوجست في كازينوهات عماد الدين ص39.
4ـ أو طفلا في إعلان لافاش كيري ص49.
5ـ أو ملحنا، وعازف جيتار في الثمانينيات ص65.
6ـ أو ناقدا فنيا لبنانيًا في السبعينيات ص76.
7ـ أو مصورا في مجلة بلاي بوي ص87.
8ـ أو مؤلف jazz ص101.
9ـ أو كاتبا مسرحيات في الستينيات ص113.
10ـ أو محررا أدبيا في التسعينيات ص125
11ـ أو ممثلا كوميديا ص137.
12ـ أو مخرج افلام بوليسية ورعب ص146.
13ـ أو باحثٍ في التراث الشعبي ص157.
14ـ أو خالق شخصيات كارتون ص171.
15ـ أو: صاحب مقهي باريسي في الثلاثينيات ص195.
من يتأمل في البدائل المطروحة لأمنيته بأن يكون طبيبا نفسيا يلاحظ أنها تشير إلي:
1ـ العودة للطفولة تلعب علي الريفر ريد أو يظهر في إعلانات البقرة الضاحكة لافاش كيري.
2ـ العمل في الفن كـ:
أ ـ مونولوجست في كازينوهات عماد الدين.
ب ـ ملحنا وعازف جيتار.
ج ـ مصورا في مجلة بلاي بوي.
د ـ ممثلا كوميديا.
هـ ـ مخرج أفلام بوليسية ورعب.
و ـ خالق شخصيات كارتون.
ز ـ مؤلف جاز.
3ـ وفي مجال الإبداع أن يكون:
أ ـ ناقدا فنيا: لبنانيًا وبالتحديد، ومتي في السبعينيات.
ب ـ كاتبا مسرحيا وفي الستينيات.
ج ـ باحثا في التراث الشعبي.
أما بدائل العمل الحرّ فكل ما كان يتمناه أن يكون إما.
أ ـ صائغا.. وأين؟ في البصرة تحديدا، أو.
ب ـ صاحب مقهي، أين؟ في باريس، ومتي في الثلاثينيات.
وبغض النظر عن طبيعة البدائل المتنافرة، فان تحديده للزمن الذي راج بين الثلاثينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات ثم التسعينيات، إنما له ارتباط في شيوع تلك البدائل في تلك الأزمان، وهي إشارة تشكل كل واحدة منها عتبة تُدخل قارئها إلي الفصل الذي عنوّن به والذي انقسم بدوره إلي مساحتين سرديتين كان من أهم السمات المشتركة في المساحة الأولي التركيز علي القرون الوسطي ففي الهامش الأول »يمكن لنا تبادل الشخصيات باستـمرار داخل لوحات (ادموند بلير ليتون) عن القرون الوسطي» ص24.
وفي الهامش الثاني:»كأن الجلسة تحدث عن هامش المعركة الكبري التي دارت بين (الاثنيين) والنساء المحاربات (الأمازون) ذلك لانني اضطررت لمناقشته في آراء (اريك فروم) حول التأمل الفكري، والشعور ووظيفة المجتـمع في زرع الوهم داخل الذهن لحجب الحقيقة» ص26.
في الهامش الرابع: » يقرأ أمامي فقرة قصيرة عن العلاقة بين روما القديمة والقوط الغربيين في أسبانيا، استـمع إليه متأكدا من أنّ الـ(هو) لديه قد بلغ أقصي درجات الرّغبة في قتل (الأنا) و(الأنا العليا) وتحنيطها» ص49.
في الهامش الحادي عشر: »أنا فلاح العصور الوسطي الذي يعيش في كوخ فقير، وينام علي كيس مملوء بالقش، ويأكل الخبز الأسمر، والبيض والدواجن والخضروات، لا يشتري اللحم إلا نادرا، ويستـمني كل ليلة علي نساء السيد صاحب الأرض» ص137.
في الهامش الثاني عشر:» يتخيل حكايات بين الاستقراطيين، والكهنوت والعمال في العصور الوسطي، مستدعيا (حكايات كانتربري) و (جفري تشوسر) يقول: انه لا تكفي رواية واحدة ولا أكثر من رواية لتناول القرون الوسطي» ص46.
ويبقي السؤال.. هل العودة إلي العصور الوسطي خدم نصيّة الرواية؟ هل كانت إحالات إسقاط تاريخي أو لغوي أو اجتـماعي؟
في الحقيقة نجدها مجرد إضاءات عادية أشارت إلي:
أ ـ أسلوب التناول المعتـمد علي الفلسفة والغموض في خفايا النفس وهي تشتغل علي بدائل التـمني التي لها علاقة بالإبداع والفن والعمل.
ب ـ عتبات تناولية أفضت إلي المستوي السردي الثاني الذي شكل محور الرواية والدخول في أعماق الراوي وهو يعيش عُقد الأم، الجنس، المرأة، الأثداء وبالتالي مزج الأدب بالسياسة وبالفن»أنا أرفض وبشدة مصطلح (الفن المسيحي في القرون الوسطي فيه من التضليل ما يفوق الإهمال الذي لاقاه تحليل (هيجل) عن الديالكتيك في القُبلة (اختلاط الأفكار والرغبات المتناقضة في التقاء شفاه الرجل بشفاه المرأة )» ص50
لذلك كانت المرأة بجسدها هاجسه الأساسي الذي نما وارتفع مع السيدة (ن) الشاعرة المتفوقة ذات القوة التي انفردت بها شخصيتها، ابتدأت العلاقة بلكمة كتبتها تعلق من خلالها علي نص شعري كتبه قالت فيه(لسّه فيه شعر وحش كده) ص51 »شعرت بغضب هائل يا دكتور لأنني اعتبرته - وقتها - تعليقا مهينا - رغم كونه تافها ولا علاقة له بالشعر، ولا بالكتابة، ولا بأي شئ سوي بخراء البيض» ص21. لتتحول الحكاية إلي عقدة نفسية تُضاف إلي عقده علي الرغم من أنه عرفها عن قرب والتقي بها أكثر من مرة إلا انه لم يستطع أن ينام معها كما فعل مع كثيرات لتبقي عقدة متحفزة في داخله، ومع ذلك لم تكن قصصه مع (نون) محور الرواية ومتنها الرئيس إنما إضافة نفسية اشتغلت علي استفزاز الراوي المبدع (الذكر) القوي النشيط الذي لم يستطع النوم معها ليتشظي السرد بين المستويين السرديين يبتعدان زمنيا ويلتقيان إبداعيا في نسقين اثنين هما:
في النسق الأول ضم مجموعات من الإحالات التي لها علاقة بتواتر النفس وانفعالها وشدة شبقها الجنسي ومن ذلك:
1ـ هدم الكتابة والكتاب الذين يزيدون جرعة البذاءة في كتاباتهم ويخقونها بناءً علي المزاج الحاضر لوقاحتي ص102.
هذه الوقاحة التي اعترف بها ربما تجاوزت حدود اللياقة الأدبية مما أدي إلي:
2ـ ذلك التوصيف الجنسي المقزز بحجة أننا نعيش »مراحل الفمية والشرجية والقضيبية، والكمون والتناسلية بتجاوز وتلازم وتداخل، نحن نزاوج التثبيت والنكوص، وتحول الطوّر التطور الجنسي إلي لعبة بينج بونج» ص128.
وفي الصفحة 174 نقرأ حول الموضوع الانتقادي نفسه الذي دخل إليه في معبر السينـما ودورها لاسيـما من هزيمته 67 وذلك من خلال الفيلم المعروف (أنف وثلاث عيون)، الذي أنتج عام 1972، وهي الفترة التي كان علي السينـما المصرية أن تولي جانبا من اهتـمامها بالخطاب السائد عن الانحياز الأخلاقي الناجم عن اليأس بعد هزيمة 67 وموت عبد الناصر، وعن الانتـماءات الوطنية، والقومية التي تمت خيانتها في ظل فوضي اقتصادية، ومراعاة سياسية، وبداية صعود طبقة جديدة من البورجوازيين المتحالفين مع بيروقراطية القطاع العام ص275، وأيا كانت الدوافع لاختيار ذلك المستوي السردي الفاضح والمضلل فانه لم يخدم الرواية إلا في إظهار نرجسية الراوي التي هي نرجسية المؤلف نفسه والتي دفعته لان يكون شريكا في النص نفسه، في الصفحة 176 نقرأ:»خلال مناقشتي لروايتي (خلق الموتي) بنادي أدب المنصورة، وتعليقا علي احدي المداخلات، رفض (د/يسري عبد الله)، وضع اسمي في قائمة واحدة مع الأسماء الساردة القاهرية المعروفة - لنا - مؤكدا أنه بعد قراءته للرواية ومجموعتي القصصيّة (قبل القيامة بقليل) يعتبرني متجاوزا لهم.هذه الأنا النرجسية الإبداعية تداخلت بشكل قسري في نهاية الرواية التي خصص معظمها للحديث عن نفسه بلغة الأنا »أريد أن يقال عن هذه الرواية (لقد وقف ممدوح رزق عاريا في ميدان مزدحم، ثم أطلق من فوّهة عضوه العفاريت كي يعذبها ـ للحظات ـ بالخروج منه، قبل أن ترتد إلي داخله ثانية» ص196.بالطبع كل من يقرأ الرواية سيقول ذلك وأكثر في ذلك فهو أمام نص روائي مختلف جدا حدثوي إلي أبعد حدود الحداثة، تقني إلي أرفع درجات التقنية.
نصٌ إبداعي جرئ تماهي فيه الإبداعي السردي المتقن مع النرجسي والجنسي والفوقي والدوني في الوقت نفسه، مقدما المؤلف من خلاله أنموذجا فنيا علي قدرة الرواية علي الاحتضان والتجاوز لخلق سمة فنية خاصة بها وبمبدعها الذكي الذي يتحدث الناس عنه كما يقول في روايته. أنه »الناقد الذي يتحدثون دائما عن براعته في الحفر داخل النصوص» ص197، وبالفعل كان حفارا سرديا بارعا في نصيّة هذه الرواية التي تحتاج إلي أكثر من قراءة ومن خلال أكثر من مستوي نقدي حتي تبدي إحالات إبداعها علي المستويين الشكلاني والمضموني.
فرج مجاهد عبد الوهاب
جريدة (أخبار الأدب) ـ 8 / 7 / 2017