أحضرها (علاء الخيراوي) إلى المقهى بسيارته .. هو كاتب إسلامي ينشر
مقالات كيتشية في الصحف، ويلقي أحياناً محاضرات بالدولار في البلدان العربية عن التسامح
بين المذاهب الدينية .. كان اسمها (عديلة)، وهي ابنة سادسة على حافة العنوسة لأسرة
فقيرة بلا أب، ألحقها (علاء) بالعمل الصحفي مقابل مص قضيبه أثناء القيادة على
الطرق السريعة حول المدينة .. ضغطت على يدي مبتسمة وهي تصافحني بوجه طويل، نحيف
ببياض باهت، وعينين واسعتين، وفم عريض تبرز أسنانه الأمامية .. لم أعثر في ذاكرتي
على ممثلة بورنو تشبه ملامحها، وإن بدا هذا الاكتشاف في طريقه للحدوث .. كنت قد
أعطيت النساء اللاتي أتمنى أجسادهن في حياتي أسماء نجمات البورنو بحسب قوة التشابه
بين الوجوه .. الجدير بالانتباه أن هذا التشابه كان مقترناً دائماً بمماثلة، وأحياناً
بمطابقة تامة بين امتلاءات أجسامهن .. كأن الملامح المتقاربة ـ كحتمية سكسية ـ
ينبغي أن تُنشىء انسجاماً بين الأجساد التي تنتمي إليها، أو ربما تفرض الأجساد
المتناظرة ـ وهي تبني تاريخها الجنسي ـ ثباتاً لازمنياً للوجوه .. على هذا كان لدى
زوجتي شقيقتان؛ الكبرى (آفا لورين)، والصغرى (باتريشيا رومبرج) .. كان جاري في
البيت المقابل متزوجاً من (جوي كارين)، أما جاري الآخر في الشقة المواجهة لشقتي
فكان متزوجاً من (كاري مون)، وبالصدفة ـ التي ربما كانت امتدادا أعمق للتشابه ـ
كان لديهما ابنة تمتلك نفس ملامح وجسم إحدى الموديلات التي أخذت دور ابنة (كاري
مون) في فيلم لها، وشاركتها التعبّد لقضيب أحد الرجال .. لو قلت الآن أن وجه هذا
الرجل في الفيلم وجسده يشبهان إلى حد كبير وجه وجسد زوج ابنة جاري؛ هل سيعد ذلك
مبالغة لا يمكن تصديقها؟ .. ربما، ولكن أقسم بحياة طفلتي ـ التي مازالت تشبه أمي
حتى الآن ـ أن هذه هي الحقيقة حتى لو كان قبولها يعني تحوّل هذا التناسخ العام إلى
نوع من الغرابة المخيفة .. أن تكون هذه هي حكمة الحياة وحسب، التي ستفضي بعد الموت
إلى لاشيء.
ذهب (علاء) إلى الحمام غامزاً لي من وراء ظهر (عديلة) وهي تجلس وتتابع
نظراتي التي تتفحص تفاصيلها المنتفخة على نحو مقبول من وراء بلوزة وجيبة ضيقتين.
قالت بصوت ييدو كأنما استعارته من أمها المريضة بالكبد: كنت أريد أن
أراك منذ زمن.
ـ ليس أكثر مني.
ـ أعتذر لأنني السبب في التأخير عن الموعد، كان على أستاذ (علاء) أن
ينتظرني حتى أنتهي من صلاة العشاء في المسجد.
ـ هل
تصلين في الجامع؟
ـ أنا حريصة على الصلاة دائماً في (الجمعية الشرعية).
ـ ولماذا هذا المسجد بالذات؟
ـ ثوابه أكبر لأن الإمام يستغرق في الصلاة وقتاً طويلاً.
ـ ليس عندي شك في أنك تفضلين الرجل الذي يستغرق وقتاً طويلاً.
لم تمنحني عيناها الثقة في أنها ممهدة من أسفل، لكن (علاء) كان يصدّق
قسمها بأن الحائط الصغير بين فخذيها لم يُهدم بعد .. على أي حال ـ ولحسن الحظ ـ
كانت نفس العينين المراوغتين تمرران انطباعاً لا بأس في قوته بأنها سترحب باستقبال
صرخاتي المدببة من الباب الخلفي إذا توفرت الفرصة .. كانت قد تركت العباءة السمراء
التي ترتديها في الجامع داخل السيارة .. كرجل وقور، يكبرني بأكثر من عشرين عاماً، وككاتب
إسلامي، وكمحاضر عن التسامح المذهبي رفض (علاء) أن أجلس مع (عديلة) في الكنبة
الخلفية، ولكنه ظل جالساً في السيارة على بُعد خطوات قليلة وأنا أدعك مؤخرتها على
كنبة أخرى في شارع فارغ، نصف مضاء .. فكرت أثناء مضغ طراواتها في أن (عديلة) اسم
لامرأة ينبغي أن تكون ميتة منذ زمن بعيد، ولم يعد يتذكرها أحد .. قوة انتصابي كانت
على وشك أن تدفعني لتعرية ثدييها أمام العابرين المحتملين، وكانت ملامحها
المسترخية، والممتنة تحت المكياج الخفيف تقول لي: (إفعل ذلك الآن) لولا (كلاكس)
حارس اللذة العجوز، وإشارته من وراء الزجاج بعدم التمادي نحو الفضيحة .. أنزلناها
قرب منزلها ـ القريب من (الجمعية الشرعية) ـ ثم تمنيت أن أعض (علاء) في خده، وأنا
أقبّله بعد أن أوصلني إلى بيتي.
كنت أكتب في تلك الأيام قصة قصيرة عن شخص يأتي السماسرة مع الزبائن
إلى بيته حسب الموعد المتفق عليه في الخامسة مساءً .. يكون وحده في هذا الوقت حيث
يبكي غالباً أو يرقص مع الموتى أو يغني بعينيه للغيوم البعيدة التي مازالت لا تشبه
غيوم الثمانينيات .. يقود خطواتهم لمعاينة الحجرات مراقباً بقناع من البراءة
عيونهم وهي تتفحص أسرار زوجته التي وزعها في أماكن واضحة قبل مجيئهم: الملابس
الداخلية وقمصان النوم والمناشف الصغيرة التي تستعملها بعد المضاجعة وقضاء الحاجة
.. يستمتع بالهياج المرتبك في نظراتهم التي يحاولون إبعادها بتردد شاق .. يجلسون
دائماً في الصالة بعد كل جولة للتفاوض حول الثمن .. يتحدث بعفوية صلبة عن مزايا
البيت، ويسخر من ضعف الأرقام التي يعرضونها كأنه غير منتبه للاستعراض الشبقي الذي
فاجأهم، ومازال لمعانه الجائع يومض في عيونهم المبتسمة .. يستلقي بعد رحيلهم فوق
السرير وسط المخبوءات المكشوفة ليستمني، مستعيداً كافة التفاصيل الدقيقة للحفل
الجماعي الذي انتهى منذ لحظات .. يعيد الأسرار إلى أماكنها قبل أن تعود زوجته ثم
يجلس أمام الإنترنت باحثاً عن رقم تليفون سمسار آخر كي يطلب منه إيجاد مشترين
للبيت الذي لا يفكر مطلقاً في بيعه.
بعد أسبوع اتصلت (عديلة) بي، وطلبت أن تُجري معي حواراً للجريدة التي
تعمل بها .. قابلتها في نفس المقهي، وسألتني أسئلة تافهة عن الكتابة أجبرتني على
إجابات كاذبة للسخرية منها ومن الجريدة ومن قرائها .. في نهاية الحوار سألتني:
ـ ماذا كنت تتمنى أن تكون، لو لم تكن كاتباً؟
ـ جامع أثداء.
ـ كيف؟
ـ لا يروقني أن تُدفن الأثداء الجميلة مع صاحباتها من النساء الميتات
.. كنت أتمنى أن تكون لي هذه المهنة: أن أتوصل إلى طريقة للاحتفاظ بهذه الأثداء
على حالها، ثم أمتلك متحفاً يضم حصيلتي الإعجازية، ويتاح للآخرين دخوله والاستمتاع
بمحتوياته وفقاً لشروطي الخاصة.
ـ لقد حاولت الانتحار من قبل، وأشعر أنني سأكرر هذه المحاولة قريباً.
وضعت الأوراق والقلم في حقيبتها ثم نهضت وغادرت المقهى دون أن تنتظر
رداً .. كان هذا مريحاً لأنني لم أكن أعرف الرد الصحيح .. لم أكن راغباً في
الإجابة على هذا السؤال الذي يدعي أنه ليس استفهاماً.
آخر هذا المساء فكرت في أن عينيّ ربما تعيدان خلق البشر كما يحلم بهم
موقع (Xhamster)، أي أنهما تصححان العالم بشكل تلقائي .. قبل أن أنام جاءتني
رسالة على (الواتس اب) من (عديلة) .. كانت صورة لثدييها العاريين فقط.
ربما سأوقظ زوجتي ذات ليلة .. أخبرها بأنني أشعر بألم في الإصبع
الأوسط ليدي اليمنى، وأنني سأموت الليلة بسبب هذا .. يمكن لأي رجل أن يوقظ زوجته
في الليل، ويخبرها بأنه يشعر بألم في صدره، حيث لن تمر تلك الليلة إلا وينتقل إلى
المستشفى ليعالج من أزمة قلبية، ثم يعيش بعد هذه اللحظة عمراً طويلاً جداً ..
لكنني عندما أوقظ زوجتي في الليل، بسبب
الألم الذي أشعر به في الإصبع الأوسط ليدي اليمنى، سوف أموت بالفعل في تلك الليلة.
اللوحة (August Night at Russell’s Corners,
1948
George
Ault)