ربما يمكن تحليل البلاغ الذي تقدّم به أحد القرّاء المصريين ضد الكاتب
(أحمد ناجي) بسبب فصل من روايته (استخدام الحياة)، نُشر في جريدة (أخبار الأدب)
وأدى ـ بحسب البلاغ ـ إلى إصابة هذا القارىء بهبوط في الدورة الدموية بسبب الألفاظ
الجنسية وخدش الحياء في هذا الفصل من الرواية، مما ترتّب عليه إحالة الكاتب إلى
المحاكمة الجنائية بعد أن رأت النيابة أن (أحمد ناجي) (سخّر أنامله ونفث فيها شهوة
فانية ولذة زائلة، وأجّر عقله وقلمه لتوجّه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة
وحسن الأخلاق، والإغراء بالعهر، ونشر سموم قلمه برواية أو مقال في صفراء بالية)،
الأمر الذي تسبب في النهاية بالحكم على (ناجي) بالحبس عامين، ربما يمكن تحليل هذا
البلاغ من خلال دور المقدّس الديني في تكوين الميكانيزمات الدفاعية اللاشعورية
داخل الوعي القرائي عند القارىء العربي، وأثر حيّل وآليات المقاومة هذه في علاقة
هذا القارئ بـ (قمع الكتابة الانتهاكية) وبـ (شبق التماسك الحكائي) وبـ (المعنى
الأدبي كلذة تطهيرية للجسد).. إن طريقة تناول مقدّم البلاغ لـ (عمل أدبي)، والتي
دفعته لتقديم بلاغ يحمل هذه الصيغة ضد كاتبه هي نوع من الإستراتيجيات التأويلية
التي تستعمل النص الأدبي كفضاء سوسيولوجي مضمون للتخلص من الإثم الذاتي، وكتعويض
سهل عن خسائر الضمير. هذا الاستخدام ليس رد فعل أخلاقي ينطلق بشكل أساسي من عقيدة
شخصية، بل رغبة لا واعية في إعادة إنتاج ثقافي لما يمكن تسميته بـ (المفاهيم
السائدة للفضيلة).
في هذا النمط المهيمن من المقاربات يوظف القارىء جسده شبقياَ كمستثمر سادي يستغل الضعف الاجتماعي للنص ـ أي لا أخلاقيته المعادية لما ينظر إليه كنظام محسوم من القيم البديهية العامة ـ هذا الاستغلال يتولى تثبيت جسد القارىء كعنصر ممارس ينتمي إلى التقاليد التي تكوّن ما يتم اعتباره السلطة الأخلاقية للمجتمع، وليس مجرد تابع أو خاضع لها (عقاب الكاتب بواسطة التعذيب اللفظي كجزاء منطقي يتلائم مع انحرافه السلوكي في الكتابة.. تقويمه وضبط أفعاله بما يتوافق مع “المبادىء السائدة” عن طريق دمج التعذيب اللفظي بمحاولة إجباره على كتابة راضخة لهذه “الأسس الأخلاقية”.. التحريض ضده أي تحذير القراء الآخرين من قراءة أعماله، وتوسيع مجال العقاب ليشمل القراء والنقاد المحتفين بكتاباته، وقد يصل الأمر إلى الملاحقة القانونية.. مراقبته أي تتبع وجود نصوصه داخل الأماكن التي يمكن من خلالها توجيه العقاب والضبط والتحريض ضده على شبكة الإنترنت مثلاً، وتحديدا مواقع القراءة، وصفحات التواصل الاجتماعي).. هذا التوظيف السادي هو بكيفية أكثر جذرية توطيد مازوخي لعلاقة جسد القارىء (الذي فاز بكبت جديد عندما تصدى ليقمع كتابة انتهاكية) مع ما يعد بالنسبة له السلطة الأخلاقية للمجتمع، بعد أن ساهم في حمايتها بتقديم جسده قربانا مروضا لهذه السلطة (أي متخلص من دنس قرائي، ومُكفِّر عن خطاياه السابقة بمحاربة خطيئة لم يرتكبها).. قد يفسر هذا بشكل ما الطغيان التاريخي لما يمكن تسميته بـ (السرديات الآمنة) في الكتابة الأدبية العربية، بما اشترطته كأحكام منظّمة للتلقي مثل: (الموضوع.. المعنى.. الرسالة.. الهدف.. المغزى الدلالي.. الاستفادة.. المتعة الجمالية)، والتي لم تكن هيمنتها راجعة إلى الإجراءات الصارمة للتنميط والفرز والإقصاء (القانون فوق الرسمي)، بل كانت على نحو جوهري ناجمة عن استسلام الكتابة الأدبية الغالب، واللازمني، لأنساق القراءة التي رسخها المقدس الديني.
(ورقة أوليّة ضمن مخطوط “نقد استجابة القارىء العربي” / مشروع قيد الكتابة).
(ورقة أوليّة ضمن مخطوط “نقد استجابة القارىء العربي” / مشروع قيد الكتابة).
يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع “زائد 18″، و“مدى مصر”، و“قل”،و“زحمة“ للتضامن مع
الروائي أحمد ناجي.