الأحد، 19 نوفمبر 2017

عن أغلفة الكتب

يمثل الغلاف بالنسبة لي بصيرة افتراضية للخطو عبر فضاءات الكتابة، أو إلهامًا مقترحًا لحفر مسارات الجدل والتناغم داخل النصوص .. أظن أن مرور الكاتب بتجربة مؤسفة أو أكثر مع أغلفة كتبه يعتبر أمرًا طبيعيًا .. أن تفرض أحيانًا سلطة النشر غلافًا لا يعدو بالنسبة لصاحب العمل الأدبي أكثر من مأساة ملونة سيتحتم عليه تحمّل العبء الأكبر من انتشارها .. لكن بعيدًا عن الكيفية التي يمكن بواسطتها اعتبار هذه التجارب ـ من منظور آخر ـ جانبًا جوهريًا من فلسفة ذاتية للكاتب، أو طبيعة مهيمنة لمزاج جمالي يخصه؛ فإن لحظات التوافق بين الكاتب وغلاف كتابه أشبه بغنيمة لا يمكن فقدانها .. ربما يكون هذا الاتساق بديهيًا حينما يمتلك الكاتب الحق في اختيار غلافه، ولكنه سيكون أكثر سحرًا حينما يكون هذا الاتساق ناجمًا عن علاقة العمل الأدبي بخيال المصمم.
هذا ما يدفعني للإشارة إلى الكتب التي لم أختر أغلفتها بنفسي، وإنما أنجزها فنانون أجادوا تشكيل أبواب الجسور، أو ظلال الملامح التي يجدر ملامستها، وإعادة تكوينها .. أتحدث عن غلاف ديوان (بعد صراع طويل مع المرض) لهاني مصطفى،غلاف رواية (الفشل في النوم مع السيدة نون) لعبد العزيز السماحي، وغلاف المجموعة القصصية (هفوات صغيرة لمغيّر العالم) لتامر فتحي .. يتحوّل الغلاف في مثل هذه الحالات من مجرد وظيفة  ـ تمارس أحيانًا بطريقة سيئة ـ إلى ضرورة مماثلة لعنوان الكتاب، وللنص ذاته .. يتحوّل العمل الأدبي ـ وهنا تتجلى الأهمية الجمالية للغلاف ـ إلى ضوء مسلّط على اللوحة أو الفوتوغرافيا .. ينشأ هذا التوازان، أو يكشف هذا التبادل عن تحققه عندما يصبح النص هو الآخر محرّضًا على التنقيب في الغلاف كعمل فني له استقلاليته.
بالنسبة للكتب التي اخترت أغلفتها بنفسي ـ كان للوحات سلفادور دالي نصيب كبير منها ـ يبدو الأمر كرهان على تواطؤ بين خبرتين، لديهما أسباب مقنعة للقيام بذلك .. هذا التحريض المشترك لبناء الاحتمالات وهدمها يتم وفقًا لانسجام معين أو صراع ممكن بين هواجس لا تتوقف عن خلق أرواحها عبر الزمن.  
شهادتي ضمن ملف (غلاف الكتاب ستارة أنيقة تحجب أكثر مما تظهر) للكاتبة (خلود الفلاح) في صحيفة (العرب).
18 / 11 / 2017
ملحوظة:
كتبت هذه الشهادة قبل نشر غلاف روايتي الجديدة (إثر حادث أليم) الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب، وهو للمبدعة هند سمير، ويُعد واحدًا من أجمل أغلفة كتبي، ويستحق شهادة مستقلة احتفاءً بفنياته وعلاقتها بالرواية.