الأحد، 17 مارس 2024

ملكة القاهرة


لم يرني أحد أبكي إلا معه .. هو الوحيد الذي جعل لبوات ومخنثي وقوّادي وسط البلد يشاهدون دموعي .. “ملكة القاهرة” كما يطلقون عليّ تحولت على يديه إلى جارية .. لكنها ـ رغم كل شيء ـ جارية سعيدة .. لم يتعمّد أن يجعلني كذلك على الإطلاق ولكن ما أصبحت عليه بعد لقائنا الأول كان حتميًا .. ما كنت على استعداد له وفي انتظاره من قبل أن نلتقي .. كان حتميًا أن تتحوّل الجميلة الخبيثة الساخرة العدائية بذيئة اللسان إلى ذلك الخليط الخاضع من الحنان والرقة والضعف .. سعيدة لأنه فعل بي ذلك .. لأنني أصبحت هكذا من أجله حتى لو لم يقصد .. لأنني أصبحت أكثر حزنًا بسببه .. ربما لا أفهم الكثير من الأشياء .. ربما لا أفهم معظم الأمور التي حدثت وتواصل الحدوث .. لكنني متأكدة من شيء واحد .. شيء واحد يُغني عن كل الأمور التي لا أفهمها .. لو عاد الزمن إلى الوراء سوف أرضخ ثانية لذلك الانهيار المفاجئ، ومجددًا سأعتبره تكرّمًا استثنائيًا من العالم .. سأعاود قبول ذلك الألم الأشد وطأة طالما أنه ناجم عن وجوده في حياتي .. طالما ظل هذا الألم شرط بقائه في حياتي .. يا مرآتي العزيزة التي حينما أحتضن جسدي العاري بين أطرك المتآكلة بكل هذا اليأس الشهواني المرتعش فكأنما أحتضن غيابه .. كأنما أتوسل لهذا الغياب وأثبّته .. كأنما أنتقم من نفسي ومن حضوره السابق حول هذا الجسد بالطريقة الوحيدة اللائقة به.

من رواية “البصق في البئر” ـ قيد الكتابة

اللوحة: Charlotte Bracegirdle