جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.
الخميس، 14 ديسمبر 2023
إغماءة الكحول
كانت أنفاسك بالغة الوهن، ومع ذلك كانت رائحة الكحول التي تفوح منها ثقيلة وعاصفة، كأنها سر روحك .. ارتميت مغمض العينين، منفرج الفم على أرض حجرتك في نهاية الصالة بعدما قطعت المسافة بينها وباب الشقة الذي فتحته لك أمي آخر الليل مترنحًا، تقاوم سقوطًا محتومًا .. أمي التي صرخت فأسرعتُ إلى هناك بين أبي وشقيقتي ووجدتك في تلك الحالة فلم أعتبرها سوى فرصة سانحة لا ينبغي على طفل مثلي أن يفوّتها .. جلست فورًا على ركبتي بجوار جسدك الهامد وبدأت منتشيًا في تدليك صدغيك مع تربيت متلاحق على خديك .. هكذا يعيدون الوعي إلى فاقديه على شاشة التليفزيون وكان عليّ أن أثبت براعتي في تقليدهم .. لم أفكر في الأمر إلا من ذلك المنظور .. ثلاثون سنة، لم أر في تلك الليلة أكثر من نجاحي في إفاقتك والتي أعلنتها شهقة خافتة مقترنة برعشة جفنيك، بينما أخذت عيناك تُفتحان تدريجيًا .. أين كنت؟ .. برفقة من؟ .. ما الذي حدث؟ .. كان من اليسير الإجابة على تلك الاستفهامات من قبل أن تتجسد في الذهن استنادًا إلى معرفتنا بك .. كنت مع رفاق السوء في شقة أحدهم وأفرطت في الشرب .. لكنها لم تكن الإجابات الصحيحة .. كانت الإجابات السهلة فقط .. كان الوصف المختصر للأمر وليس حقيقته .. الاستفهامات نفسها لا يجب أن تصاغ بهذه الطريقة ولا حتى أن توجه إليك .. كان السؤال المنطقي في تلك الليلة: من هذا الذي ساعدته على الإفاقة من إغماءة الكحول؟ .. كان يجدر بي التوصل إلى رد حاسم قبل موتك ولكنني انتظرت .. انتظرت طويلًا جدًا دون أن أشعر بضياع الوقت .. دون أن أشعر بأنني مطالب بالرد أصلًا، كأن تلك الليلة ـ كسائر الليالي ـ تخصني وحدي .. انتظرت حتى أصبح العالم خاويًا تمامًا .. جسدك ليس هنا، ماضيك مدفون داخل قبور أصدقائك وأسفل حطام أماكنكم القديمة، أما التذكر فليس إلا توطيدًا خبيثًا لجسامة الفراغ .. لا شيء يمكنني أن أحاول إعادة الوعي إليه .. لا شيء يمكنه أن يفيق جسدي الهامد، المتناثرة أشلاؤه بين القبور والحطام .. الأشلاء التي تفوح منها رائحة كحول الثمانينيات، الذي مررته أنفاسك إلى روحي وأنا أدلك صدغيك وأربت على خديك بيدين كارتونيتين.