الأربعاء، 19 يوليو 2023
نملة نشطة
كنت أعيش منذ طفولتي على اختلاس العيون الشاردة، الأفواه المكتومة، والملامح الواجمة .. مثل نملة نشطة؛ أخزّن مؤنة سرية من الوجوه في مخبأ غامض داخل نفسي انتظارًا لشتاء لم يُحدَد موعده .. حينما بدأت كتابة القصة القصيرة أدركت أن ما جمعته من عيون وأفواه وملامح سيشكّل وجوهًا أخرى، غائمة، لا يمكن لمسها، ربما الوجوه المحتملة والمتناثرة وراء ما كنت أختلسه، وأن هذا التحوّل لا يرجع إلى العيون والأفواه والملامح في حد ذاتها، وإنما إلى المخبأ الغامض الذي احتفظت بها داخله .. أدركت أن الشتاء ليس زمنًا معيّنًا، وإنما مطاردة لغيابه، ملاحقة سيزيفية تراوغ أي وعد بالوصول إليه .. كانت الوجوه تلتهم نفسي، وهذا ما أبقاني منذ اللحظة الأولى أعيش بجوع وشراهة شبح نملة نشطة.