الأحد، 25 يونيو 2023

الشبح الماثل في التقويم

تحت عبارة with best wishes المطبوعة بحروف سوداء كبيرة مظللة بالرمادي في رأس الغلاف الداخلي لدفترك الورقي؛ كتبت بالقلم الجاف الأحمر ترجمتها “مع أطيب التحيات” .. تخدش الأناقة التي حاولت أن تشكّل بها تلك العبارة مسحة من الارتباك جعلتها أقرب لتعبير ساخر .. لا أعتقد أن عقلك كان يقصد ذلك ولكن روحك هي التي حركت يدك لتكتب العبارة على هذا النحو .. روحك هي التي تعمدت في غفلة من ذهنك أن تمرر الرعشة والانكماش إلى الحروف لكي تتسق مع تقويم عامي 1983 و1984 الذي ينتظم أسفلها.

عند يومي السبت 29 أكتوبر 1983 والاثنين 29 أكتوبر 1984 تركت علامتين بالقلم الأزرق: x بجوار  Saturday وmonday ، وo حول 29  .. علامات مُعاد عليها أكثر من مرة لتأكيدها بما يتجاوز ترك إشارة واضحة فحسب .. لماذا قد يفعل المرء ذلك عند يوم عيد ميلاده؟ .. حتمًا لم ترغب فقط في معرفة أي يوم من الأسبوع سيتوافق مع عيد ميلادك في العامين .. حتمًا لم ترغب في أن تؤشر تذكيرًا بهذين اليومين كي لا تنساهما .. أفكر في أنك كنت تحاول استنطاق المستقبل بحصاره عن طريق الـ x والـ o .. كأن الـ x رمزًا لسلاح لا تملكه، والـ o رمزًا ليقين تفتقر إليه .. الـ x الذي هو سلاح في يد الجميع إلا أنت .. في يد القدر .. الـ x يعني الخطر الخفي، التهديد المجهول، القوة المميتة، الشبق، القداسة، الثمالة، النفي، العنف غير المحكوم، اللعنة والخلاص .. الـ o يعني البقاء، السكينة، الاطمئنان الروحي .. كأنك كنت تلعب x o مع الزمن .. لكنك لم تكن تستنطق المستقبل بقدر ما كنت تستجوب الماضي .. ليس كل 29 أكتوبر مر وحسب، بل 29 أكتوبر 1961 في المقام الأول .. تحاكم يوم ميلادك نفسه باعتباره ـ على أقل تقدير وبشكل تهكمي ـ “خطأً” / x يستدعي “احتواءً” / o .. كأنك بهذه العلامات كنت تقول ” Happy Birthday to You” لذاتك الإلهية المحتجبة باعتبار أن يوم ميلاد نقيضها البشري هو دليل وجودها .. كأنك كنت تلعب x o مع الألوهة التي حرمتك من ألوهتك.

بالقلم الأحمر أحطت 1984 بمستطيل صغير، وفي شهر يناير من ذلك العام وبنفس اللون الأحمر قمت بوضع خط مائل فوق أيام 1، 13، 14، 15، 27، 28، 29، 30، 31 .. تكررت العلامة ذاتها فوق بعض أيام شهر فبراير: 1، 2، 3، 4، 5 .. خط أحمر حاد، حاسم، بلا أدنى رجفة، يمر فوق الرقم كأنه يحذف اليوم، يمزقه، يطمسه مبقيًا شبحه ماثلًا في التقويم .. لماذا لم تشطب تلك الأيام بالكامل بحيث لا يظهر أثر لها؟ .. هل لأنك لا تريد الاعتراف بفقدانها؟ .. لأنك متشبث برجاء استردادها؟ .. لأنك تريد أن تتذكرها؟ .. لأنك تعرف أنها لم تتبدد وإنما أنت الذي حُرمت منها فحسب؟ .. لأنك تعرف أن “حقيقتها” ستظل حية داخلك؟ .. لماذا هذه الأيام تحديدًا؟ .. ما الذي يجعلها مختلفة عن بقية أيام سنة 1984؟ .. عن بقية أيام حياتك؟ .. ما الذي يجعلها مختلفة عن بقية أيام العالم؟ .. كنت في الثالثة والعشرين من عمرك وأنا كنت في السابعة .. لا يمكنني أن أعرف أو حتى أستنتج ما الذي حدث في تلك الأيام التي مر قلمك الأحمر فوقها .. لا يمكنني أن أعرف أو أستنتج ما الذي حدث لك في أي يوم آخر .. يمكنني فقط أن أسترجع أعداد مجلتي “ميكي” و”سمير” التي صدرت خلال تلك الفترة .. المسلسلات وبرامج الأطفال التي عُرضت في التليفزيون .. مبارايات الأهلي .. الأغنيات التي استمعت إليها .. المواد التي تلقيتها في المدرسة .. ذلك هو تقويم حياتي .. ذلك فقط ما أثق في حدوثه .. لكنني لا أثق في الذكريات التي مرت هذه الحياة من بينها .. لا أثق في الماضي الذي كنت "أرى" العالم من خلاله .. كيف يمكنني إذن أن أدرك أيامك التي استهدفها قلمك الأحمر بعلامة الشطب؟ .. الذكرى الوحيدة المشتركة بيننا التي أستطيع الاعتماد عليها يا مجدي أنك كنت تغلق على نفسك باب حجرتك في اللحظات التي كنت أغلق خلالها الشرفة على نفسي .. تحاول العثور على روحك بين الجدران، وأحاول العثور على روحي بين وجوه العابرين .. الذكرى الوحيدة التي ينبغي أن تفسر أيامك وأيامي .. الشبح الماثل في التقويم.

جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.