الأحد، 29 أغسطس 2021

برواز

لا تعطي الأمر أهمية أكثر مما يحتمل .. في الثالثة عصرًا حينما تستقبلك في بيتها بحسب الموعد المتفق عليه بينكما ستكتشف أنها تحتفل اليوم بعيد ميلادها الثاني والستين .. اعتبرها مصادفة سعيدة وليس تخطيطًا غامضًا منها .. كما تعرف من لقاءاتكما خلال الشهور الماضية على الماسنجر؛ هي مجرد امرأة مسالمة، تعيش وحدها، ولا تغادر منزلها إلا نادرًا، تعشق الاقتباسات الدينية، ولم تمعن الشيخوخة في التهام ملامحها .. أعتقد أن المعلومات التي أخبرتك بها عن حياتها - رغم قلتها - كانت خالية مما يمكن أن يثير شعورًا بالغرابة أو الارتياب .. صدقني هي لم تكذب عليك في حرف واحد من حكاياتها المقتضبة، وبالتالي فتقييمك لتلك الحياة بأنها عادية للغاية، وربما لدرجة الملل سيكون منطقيًا تمامًا .. ستجد بيتها مؤثثًا على طراز الثمانينيات مع تطفلات عصرية متفرقة بالإضافة إلى حشد من الصور القديمة لموتى عائلتها معلقة على الحوائط ومتراصة داخل أطر صغيرة فوق الرفوف الخشبية وأسطح الطاولات .. أعدك بأن تلك الصور لن تفسد ما جئت من أجله .. أما إذا طلبت منك بعد إطفاء الشمعة المنتصبة في منتصف التورتة التي أعدتها بنفسها، وقبل دخولكما السرير السماح لها بأن تعصب عينيها بشريط أسود فأرجو ألا تستسلم للفرضيات السادية المرتبطة بهذا النوع من الرغبات .. هي لن تطلب منك أكثر من ذلك وليس عليك سوى التحلي بالكرم المطلوب وتدعها تنفذ رغبتها .. أنت شاب في منتصف العشرينيات وربما لديك فرص أكبر لمقابلة امرأة تترك عينيها دون حجاب بينما تضاجعها .. أما بالنسبة لعجوز مثلها فقد تكون أنت فرصتها الأخيرة .. فكر في المسألة بتلك الطريقة وأظن أنك لن تمانع، فضلًا عن الاحتمال الذي قد يراودك بالحصول على متعة غير مسبوقة حين تنام مع امرأة معصوبة العينين .. أتصور أنك ستكون راضيًا بصورة كبيرة عن جسمها، في مقابل ذلك حاول بقدر ما تستطيع أن تتجاهل استجاباتها التي قد تبدو غير متوقعة وأنت بين فخذيها .. اطمئن، لن يفاجئك بأي شكل ضرر أو تهديد، فقط ستجدها وهي معصوبة العينين تتبادل الابتسام والضحك والبكاء على نحو خافت، كما ستتفوّه أثناء ذلك بتمتمات مختنقة، لا تخرب استمتاعك بمحاولة فهمها .. ضاجعها فحسب حتى تصل إلى نشوتك .. لكن بعد ذلك ـ وهنا أصل إلى نصيحتي الأهم ـ يُفضل أن تغادر سريعًا .. ربما لن يكون جيدًا أن تبقى بما يسمح لأن تنظر في عينيها بعدما تنزع الشريط الأسود من فوقهما .. ما ستراه قد لا تتمكن من نسيانه، حتى أنك ستوقن عندئذ أنه قد احتجزك داخل ذلك البيت للأبد .. غادر سريعًا قبل أن يُغلق على وجهك واحد من تلك البراويز التي مررت بينها.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 24 أغسطس 2021