الاثنين، 16 أغسطس 2021

الخطيئة الأولى

قابلت أمي في السوق .. كنا ظهرًا وكانت تمسك بيد طفل صغير، في عُمر السادسة تقريبًا .. لم أسألها عنه بالرغم من كونه مجهولًا بالنسبة لي .. كان منطقيًا أن تمسك بيد طفل صغير بينما تشتري احتياجاتها وأن يرجع معها إلى البيت .. كنت عائدًا أنا الآخر إلى البيت فمشيت برفقتهما، لكنني لسبب غامض عجزت عن السير بجوارهما فظللت خلفهما في الطريق المزدحم .. فكرت وأنا أنظر إليهما: أي شيء كانت تطيعه أمي حين أمسكت بيد هذا الطفل؟ .. إلى أي مدى سيستمر الطفل في طاعته لتلك اللحظة؟ .. فجأة لم أجدهما .. اختفت أمي والطفل من أمامي فأسرعت في المشي للحاق بهما لكنني لم أعثر عليهما .. وقفت أتلفت حولي ثم بدأت أروح وأجيء داخل المسافة التي قطعتها خطواتنا باحثًا عنهما ومتنقلًا بين دكاكينها حتى الموجودة في الشوارع الجانبية مفترضًا أن أمي ربما توقفت لشراء شيء ما .. لم يكن هناك أثر لهما .. تساءلت في نفسي: هل سبقتني أمي والطفل الذي في يدها ووصلا إلى البيت دون أن أنتبه بالرغم من أن خطوة واحدة فقط كانت تفصلني عنهما؟ .. توجهت إلى البيت على الفور .. ظللت أطرق الباب طويلًا دون استجابة .. لم يكن هناك مفر من المغادرة .. لكنني أثناء نزول السلالم شعرت بتغيرات عدائية تتلاحق في جسدي: يتكاثر الشيب، وتثقل التجاعيد، وتضعف حركتي، حتى الصوت الذي كنت أخاطب به نفسي كان يزداد وهنًا .. خرجت من البيت ثم رفعت رأسي لأعلى .. كانت الشرفة مغلقة ويكسوها غبار كثيف .. ذهبت إلى المكان الذي قابلت فيه أمي والطفل داخل السوق .. ما إن وصلت إليه حتى استلقيت فوق أرضه وأغمضت عيني .. كأني نائم فوق سريري .. راحت المساحة الأسفلتية التي أتمدد فوقها تغوص بي تدريجيًا، ورغم إغماض عيني رأيت الأرض من حولها تتمدد لتغلق الحفرة التي أختفي داخلها بينما يواصل العابرون سيرهم دون توقف.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 15 أغسطس 2021

اللوحة: Maximilien Luce