الجمعة، 14 فبراير 2020

الشبكة السردية للقضيب

لم أرها قبل ذلك سوى مرتين، أو ثلاثة .. إحدى هذه المرات كانت في منتصف التسعينيات بمجلة (أدب ونقد) .. كنت مازلت طالباً في ثانوي، وكانت جريدة (المساء) قد قدمتني منذ فترة قصيرة إلى الساحة الأدبية .. لم تكن الزيارة الأولى للمجلة بل سبقتها ـ ربما بأسبوعين فقط ـ زيارة أخرى تركت فيها قصصي القصيرة للنشر مع سكرتير التحرير (مجدي حسنين) .. في المرة الثانية قابلت (حلمي سالم) الذي صافحني بسعادة، وأخبرني أنه قرأ قصصي، وأنه كان يتصور أنني أكبر سناً بكثير .. يومها أهداني كتاباً صغيراً اسمه (الشبكة السردية للقضيب) للكاتب، والناقد الانجليزي (توماس باري)، ترجمة (مرسال عبد الواحد) .. كتاب رائع، وممتع يتناول التقنيات الكتابية، والتجارب الواقعية التي استخدمها القصاصون الميتون من الخجل لاصطياد النساء .. الذين تنقصهم القدرة، والشجاعة على اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه علاقة جسدية مع امرأة .. تحدث (توماس باري) عن أن نَسب النصوص الأدبية إلى الحياة الشخصية للكاتب، والإصرار على انتماء تفاصيلها إلى عالم خفي لخالقها سيظل إجراءاً روتينياً، وممارسة خالدة، لن تتمكن النظريات، والدراسات النقدية المتعاقبة من تعطيلها ـ بل يظهر في حقيقة الأمر أن تلك النظريات، والدراسات المتراكمة تزيد عبر الزمن من قوة الحاجة الغريزية لإلصاق السرديات بما يمكن وصفه الحقائق السرية لأصحابها .. إذا كان الأمر كذلك فيمكن لنوعٍ من الكتّاب الاستفادة من حتمية تلك الهيمنة .. يمكن لقاصٍ مثلاً أن يتعمّد في قصصٍ له أن يتكلم بضمير الأنا داخل حالات مشيدة على دعائم مأخوذة من حياته الشخصية، ليسرد من خلالها الملامح التي يرغب لها أن تكوّن صورة راسخة لجبروته الجنسي .. يمكنه استغلال القص بهذا الشكل في تمرير الصفات، والسمات الخارقة لقضيبه عبر مناخ يبدو للوهلة الأولى بريئاً، ومحايداً .. حلل الكاتب كثيراً من النماذج التي أعطى فيها القص الدعائي للقضيب نتائج باهرة لأصحابها .. أولئك القصاصون، المهووسون بالأثداء، الذين يعانون من عقدة أوديب مثلاً، وكانوا يقضون حياتهم بين الكتابة، والاستمناء، والرعب من تخيل الاقتراب من النساء .. الذين انهالت عليهم هدايا القارئات بعد نشر قصصهم الترويجية مثلما تنهمر دائماً المغازلات، والدعوات الصريحة من الرجال على كاتبات النصوص الإيروتيكية .. لا أتذكر الآن هل  أشار (توماس باري) إلى نجاح هؤلاء القصاصين في استغلال تلك الهدايا أم لا.
عمري ما شعرت وأنا في الابتدائي، ولا حتى بعد ذلك أن أبي، وأمي قد ناما مع بعضهما .. لم يكن هناك أثر لتلك الخرافة المستبعدة .. حينما كنت صغيراً لم أفكر في العلاقة الجنسية بينهما، لكن عندما كبرت ظللت أسأل نفسي متى، وكيف كانا يفعلان ذلك في شقة ليست واسعة، حجراتها متلاصقة، وفي وجود أربع أبناء، ثلاث منهم شباب! .. خاصة لو عرفت يا دكتور أن حجرة والديّ كانت محاصرة بين حجرتي أنا، وأخي، وأختي، وحجرة أصغر تخص أخي الأكبر، والتي بينها، وبين حجرة أبي، وأمي شباك واسع جداً .. إذن كيف؟! .. إذا كان في مرة ذات صباح يا دكتور، وبعدما استيقظ أخي الأكبر من النوم زعق في أبي لأنه لم يتمكن من النوم بسبب صوت جيصه القوي الذي لم يتوقف طوال الليل .. أبي ظل يضحك، وقال لأخي أنه هو أيضاً لم يتمكن من النوم لنفس السبب .. قوة صوت جيص أبي كانت تُقلق منامه شخصياً! .. إذاً عبور الصوت كان سهلاً للغاية يا دكتور؛ فهل كان أخي الأكبر يسمع تأوهات أمي الصارخة، وزمجرة أبي الوحشية طوال سنوات طويلة، وأن هذا قد يكون من أحد الأسباب التي ربما تُفسر وفاته شاباً؟!.