الجوائز العربية الأكثر منحًا للامتيازات الأدبية والمادية هي تواطؤ فكاهي
متغيّر بين ركائز عدة، لا أظن أن هناك أحدًا في الأوساط الثقافية يمكن أن يجهلها: التكريس
المتعمّد للكتابة المتطهرة من الشرور الجمالية الهدّامة .. المجهودات التفاوضية لوكلاء
دور النشر، أو سماسرة الجوائز من الكتّاب والعاملين في الصحافة الأدبية، دائمي
التنقّل بين لجان التحكيم وكواليسها .. التوافقات الملزِمة بين محرري المطبوعات
الثقافية المعينين كشماشرجية إعلام للجائزة ومحكّمين لها .. التوازنات الجغرافية
والسياسية والجندرية وكذلك التعويضية عن خسارات سابقة .. أحكام المحبة والصداقة،
والمتع المتبادلة ـ بمختلف أشكالها ـ بين الإخوة في الثقافة .. لكن هذا بالنسبة لي
لا علاقة له بكل الثرثرة السخيفة المتعلقة بالتقييم والاستحقاق والعدالة، بل ـ
وهذا أمر أعرف أن البعض يجد صعوبة بالغة في فهمه ـ أرى أن كل كتابة ـ مهما كانت ـ
تستحق الحصول على جائزة، وأن كل العوامل ـ غير الأدبية ـ التي تهيمن وتتحكم في
النتائج تحدد فقط عملًا سيفوز وأعمالًا أخرى ستستبعد من بين كتابات ينبغي جميعها
أن تنال الجائزة.
أستعير هذه السطور من كتابي "نقد استجابة القارئ العربي ـ مقدمة
في جينالوجيا التأويل" والخاصة بهيكلة تقرير تحكيم العمل لإحدى الجوائز
العربية:
" إننا لو افترضنا ـ مثلا ـ وجود عمل روائي يعتمد على التشظي، أو
تفكيك البنية الذي يتجاوز (تجريبيتها)، أو التمرد المتعمّد على سلطة اللغة، أو
خلخلة النظام السردي، أو انتهاك الحالة التناغمية للمضمون، أو تفتيت ما
يُسمى بالعقدة، أو تخريب الانسجام بين المكان والزمان والحدث، أو إفساد التلائم
بين الحوار والسرد، أو الخرق الهازئ للمبادئ الشائعة حول فن الرواية، أو العبث
بالقوانين والتقاليد الأخلاقية السائدة، أو تقويض المفاهيم النمطية عن (القيمة)،
أو السخرية من فكرة (الخلاص)، أو التهكم على (تعزيز الانتماء)؛ لو افترضنا أن هذا
العمل الروائي تم تمريره إلى ماكينة التقييم التي تم استعراض أدواتها سابقًا فإنها
لن تنظر إلى (انحيازه لطبيعته الخاصة)، أو (تناسبه وتوظيفه ومواءمته لوجوده)، أو
(موقفه وبصمته الذاتية المتنافرة مع المنطق الاعتيادي)، أو (قيمته المضادة للثوابت
الإنسانية المتداولة) ذلك لأن هذا العمل يتنافى بكيفية تامة وجوهرية مع (الإيمان)
الذي تم تجميله ببعض الإغراءات التطهيرية، ليس فيما يتعلق بالرواية والوعي
بتاريخها، وإنما بالثقافة ويقينيات الحياة عند واضعي هذه (الهيكلة)، الذين ينتمون
إلى ذلك الجزء من العالم .. يطرح عمل روائي كهذا نفسه كاعتداء، كتهجّم متعارض من
المبدأ مع حقيقة مطلقة لن يكون هناك مجال للتفاوض معها وفق أي احتمالات حاول أبناء
هذه الحقيقة أنفسهم تضمينها من أجل ادعاء شكلي لمرونتها وانفتاحها: (تجريبي ـ غير
مألوف ـ غير تقليدي ... إلخ)".
في عام 2014 قام ناشر إحدى رواياتي بترشيحها للبوكر العربية
.. اعتبرت الأمر مزحة، حتى لو لم يكن الأمر كذلك، ربما لأن هذا كان أفضل من وصف
الناشر بالسذاجة، ومع ذلك كان لدي امتنان لما اعتبرته تقديرًا منه للرواية التي
اختارها من ضمن روايات كثيرة أصدرها في ذلك العام .. بالطبع كانت روايتي المرشحة
بالنسبة لوعي "البوكريين" أشبه بالكابوس أو الفضيحة التي يجب الاختباء
منها .. الجوائز التي حصلت عليها ليس من بينها تلك النوعية التي تتصدّر المشهد
الثقافي العام قهرًا، وإنما التي سبق لي التعبير عنها في حوار سابق بهذه الكلمات:
"أحصل على جائزة ما.. أشعر بسعادة بديهية ثم أنسى أنني حصلت على جائزة.. أتذكرها
أحيانًا ثم أنساها مجددًا.. هي نوع من التقدير ربما يتساوى مع أي تقدير آخر لو
استثنينا الامتياز المادي، وبالنظر إلى الطبيعة الانتقائية لأعضاء لجان تحكيم
الجوائز الشهيرة، واختياراتها للأعمال الفائزة، وبيانات نتائجها فإن هذا يمكن أن
يضيف نوعًا من الاعتزاز إلى السعادة المؤقتة التي أشعر بها مع كل جائزة أحصل عليها".
شهادتي ضمن ملف "الجوائز الأدبية العربية .. ماذا قدمت للمؤلف والكِتاب؟" للشاعر "عماد الدين موسى" على موقع "ضفة ثالثة".
6 أغسطس 2019