كان يمكن لنجوم التقييم أن تعطي حقيقة بالفعل لو كانت الكتابة ـ وهو
نوع من الهلوسة المضحكة أكثر منه افتراضًا ـ خاضعة إلى سلطة شمولية يمتلك كل قارئ
مهما كان، وحتى مع اختلافه عن قارئ آخر الأحقية في تحديد مدى انضباطها وفقًا
لقوانين وأحكام هذه السلطة، لكن في مقابل عدم خضوع الكتابة لأي تعسّف عام أو شخصي،
يمكن لأي قارئ ـ حتى لو لم يكن قارئًا أصلا ـ وبواسطة أكثر من حساب على جودريدز أن
يلعب بحرية في القداسة التقييمية الزائفة التي تدعيها النجوم الحمراء.
إن الكاتب ـ بعكس ما تنظر إليه مواقع كجودريدز مثلا ـ ليس الطبّاخ
الذي يطهو خصيصًا للآخرين، وعليه أن يُرضي جميع أو أغلب زبائن المطعم؛ فهو لم يؤلف
كتابه من أجلك أنت بل لنفسه أولا، وللآخرين الذين يمكن لهم العثور على دوافع
للمشاركة بأي صورة في هذه التجربة، أما استجابة القارئ للكتاب فهي أمر خاص به أكثر
مما يمثل الكتاب نفسه؛ إذ أن التأويل فعل أبدي، لا يتوقف عن إنتاج القراءات
المتغيرة للنص الواحد، وجميع هذه النصوص الموازية والمختلفة التي يقوم القارئ
بخلقها هي نصوص شخصية توثّق وعي هذا القارئ في أزمنة متباينة، أي أنها تجسّد حياة
ذلك الشخص الذي يعيد كتابة النص، وليس يقينًا حاسمًا للنص نفسه الذي لن يمكن أن
يتوقف عند تأويل محدد.
تعبّر (روث أوزيكي) عن هذه الفكرة بطريقة مميزة:
(كل معنى يتم تكوينه بالتواصل، وبالتالي فكل معنى نسبي. لا يوجد كتابٌ
واحد مطلق، وواضحٌ أنه لا يوجد قارئٌ واحد مطلقٌ أيضاً، هناك فقط نتاج التبادل،
المعنى الذي نكونه، أنا وأنت، في لحظة معينةٍ حين تطوف عيناك على الكلمات ويفسرها
عقلك بدوره. ولأننا في تغيّرٍ دائم، فالكلمات التي تقرأها اليوم تعني شيئاً
مختلفاً للغاية إن قرأتها بعد شهرٍ أو سنةٍ من الآن. إن عدتَ يوماً لقراءة قصةٍ
أحببتَها في طفولتك ستعرف كم هذا صحيح. القصةُ مختلفة، تكونَتْ مجدداً بتغيّر
ذاكرتِك عن الزمان و المكان. غرفة نومك كطفل، لون الجدران، نوعية الضوء وصوت أحد
والديك يقرأ بصوت مرتفع، بالإضافة إلى الحياة التي عشتَها في السنوات المنصرمة مُذ
قرأتَ النص آخر مرة).
إذا لم تكن هناك قوانين جمالية مفروغًا منها ويتعيّن اتباعها في العمل
الروائي مثلا لإعادة تشكيل تجربة القارئ؛ فإن الطرق المتحوّلة التي يعيد بواسطتها
هذا القارئ تشكيل العمل الروائي ليست قوانين هي الأخرى بل ملامح لخبرة دائمة
التكوّن، ومرجئة الإشباع طوال الوقت .. إذا لم يكن هناك (الكاتب) بألف لام
التعريف، الكلي، (الإلهي)، فإن (القارئ) بألف لام التعريف، الكلي، أو (الإلهي) ليس
له وجود أيضًا وإنما يدعي فقط لنفسه هذه الإلوهية .. هناك (كاتب / قارئ)، و(قارئ /
كاتب) فحسب، أي انعدام تام للهيمنة المثالية، سواء لكاتب يسيطر بلذة التداول
الكامل على جميع القراء، أو لقارئ (مخاطب وحده، أو محكي له وحده) يسيطر (بلذة
المعنى الواحد) على جميع الكتّاب .. نحن نضيف ألف لام التعريف للكاتب أو للقارئ
للإشارة إليه في حالة معينة (هنا والآن)، وليس ذلك الكائن الذي يقدم نفسه ممثلا
لجميع القراء (في كل مكان وزمان).
إذا كانت هناك أسس نمطية لفئة أو حتى لجمهور من القراء أنتجتها
الأيديولوجيات والثقافات والمدارس الأدبية المختلفة فإن إعطاء القارئ السلطة
المطلقة (التي تتجاوز حدوده الذاتية لتصبح "حقيقة" عامة) هو بمثابة
ترسيخ لهذه الأيديولوجيات والثقافات والمدارس الأدبية التي ربّت هذه الذائقة
وحوّلتها إلى قوالب جامدة، مترصدة، رقابية وعقابية في الوقت ذاته.
يخلط كثير من النقاد بين القارئ اليقظ، المجادل، غير المسالم أو (الخالق) للنص، وبين استبداد القراءة، ولا يرجع هذا سوى لأن لكل ناقد من هؤلاء تصوره الخاص جدًا الذي يحتكر الصواب حول اليقظة والجدل وانعدام المسالمة .. حول الكيفية التي يخلق القارئ النص من خلالها؛ ذلك لأن هذا الناقد يستبعد وفقا لذهنيته الشخصية أشكال التفسير الأخرى المحتملة (المشاركة التخييلية، والبناء المتواصل للمعنى) التي سيكون لها هذا الحق (الإلهي) الذي أعطاه لمن يتوافقون مع عقيدته التأويلية، وهو بهذا يمتلك ـ للمفارقة ـ تصورًا احتفائيًا ساذجًا بـ (وعي القارىء غير الساذج)، لأنه لا يرى ولا يعرف عن (القارئ) سوى ماهية محددة، صورة أحادية تتوائم مع ذاته كناقد، وهي غفلة قد لا يفيق منها إلا إذا تحوّل من (ناقد) إلى (كاتب) أي أن يضع نصه الأدبي (الذي يراه متخلصًا من آثام الحكمة ومنفتحًا على متعة الشك مثلا) أمام (القارئ)، أي هذا الكيان الاستثنائي الخارق الذي لديه صلاحيات كونية تتخطى كونه (قارئًا)؛ فيجد نفسه في مواجهة عنف متعدد لأنماط أدبية أو دينية أو فكرية معادية لهذا النص تدعي أنها لا تمثل نفسها، بل هي (القراءة) ذاتها .. حينئذ سيشعر هذا الناقد (كاتب النص) أنها اللحظة المناسبة للتحدث عن أن هذا الشكل من التلقي ليس أكثر من (وجهة نظر)، تعبّر عن وعي صاحبها فحسب!.
يخلط كثير من النقاد بين القارئ اليقظ، المجادل، غير المسالم أو (الخالق) للنص، وبين استبداد القراءة، ولا يرجع هذا سوى لأن لكل ناقد من هؤلاء تصوره الخاص جدًا الذي يحتكر الصواب حول اليقظة والجدل وانعدام المسالمة .. حول الكيفية التي يخلق القارئ النص من خلالها؛ ذلك لأن هذا الناقد يستبعد وفقا لذهنيته الشخصية أشكال التفسير الأخرى المحتملة (المشاركة التخييلية، والبناء المتواصل للمعنى) التي سيكون لها هذا الحق (الإلهي) الذي أعطاه لمن يتوافقون مع عقيدته التأويلية، وهو بهذا يمتلك ـ للمفارقة ـ تصورًا احتفائيًا ساذجًا بـ (وعي القارىء غير الساذج)، لأنه لا يرى ولا يعرف عن (القارئ) سوى ماهية محددة، صورة أحادية تتوائم مع ذاته كناقد، وهي غفلة قد لا يفيق منها إلا إذا تحوّل من (ناقد) إلى (كاتب) أي أن يضع نصه الأدبي (الذي يراه متخلصًا من آثام الحكمة ومنفتحًا على متعة الشك مثلا) أمام (القارئ)، أي هذا الكيان الاستثنائي الخارق الذي لديه صلاحيات كونية تتخطى كونه (قارئًا)؛ فيجد نفسه في مواجهة عنف متعدد لأنماط أدبية أو دينية أو فكرية معادية لهذا النص تدعي أنها لا تمثل نفسها، بل هي (القراءة) ذاتها .. حينئذ سيشعر هذا الناقد (كاتب النص) أنها اللحظة المناسبة للتحدث عن أن هذا الشكل من التلقي ليس أكثر من (وجهة نظر)، تعبّر عن وعي صاحبها فحسب!.
موقع (الكتابة) ـ 21 يناير 20018