صدرت عن "الهيئة المصريّة العامّة للكتاب"، ضمن سلسلة "إبداعات قصصية"، رواية "إثر حادث أليم" للروائي والناقد المصري ممدوح رزق (1977)، الذي قال لـ"الترا صوت": "الرواية في جانب أساسي منها جاءت كهدية توثيقيّة لكلّ الذين عاشوا طفولتهم خلال سنوات الثمانينيات في مصر"، كما جاء في تقديم الرواية أنّها نجحت في نقل القارئ إلى عوالم فترة الثمانينيات من خلال عين الطفل المسرود عنه.
تتمحور فكرة الرواية الرابعة لرزق حول طفلٍ ينشرُ ما يقول أنّها مذكرات والده الذي تدور حول طفولته، وذلك بعد وفاة الوالد إثر حادث غامضٍ وغريب، وتؤرخ تلك المذكرات لفترة الثمانينيات في مدينة المنصورة المصريّة، إذ يحاول الوالد من خلال الكتابة الانتقام من ذكرياته الماضيّة، حيث يعتبر أنّ الأمر وسيلًة لمواجهة طغيانها والتشويش على مشاهدها. ويستمرّ الطفل في نشر المذكرات طيلة فصول الرواية، قبل أن ينتهي الأمر في الفصل الأخير منها "لغز كاتب المسرح" الذي يضع الابن والأب والمذكّرات والحادث في موضع الاستفهام، وتتحوّل تلك المذكّرات إلى لعبة من المفاجآت يمتزج فيها الوقعي والخيالي والسوريالي.
يذكر أنّ ممدوح رزق كاتب وناقد مصري يكتب في عدد من الجرائد والمجلّات المصريّة والعربية، وقد صدر لهُ عددًا من الأعمال الأدبيّة نذكر منها: "السيء في الأمر" (نصوص)، "مكان جيد لسلحفاة محنطة" (مجموعة قصصيّة)، "خلق الموتى" (رواية)، "هفوات صغيرة لمغيّر العالم" (مجموعة قصصيّة)، "خيال التأويل" (قراءات نقديّة).
من الرواية
ماكينة خياطة "سنجر مرسيدس" كانت تستعملها جدتي وأمي وأختي، وكانت توضع أمام الكنبة بجوار حجرة والديّ، وأحيانًا كانت تنتقل صباحًا إلى داخل هذه الحجرة لتوضع بجوار البابين المغلقين للبلكونة ذات الشيش المفتوح. كانت جدتي تجلس خلفها ـ حيث أبي في عمله خارج البيت ـ وتفصّل الملابس. كانت الصالة وحجرة والديّ تمتلئان أحيانًا ـ عندما تعمل ماكينة الخياطة وقتًا طويلاً وأيامًا متواصلة ـ بالأقمشة، والقصاصات، وبكرات الخيوط بالإضافة إلى "المازورة" الملونة في أحد وجهيها بالأصفر، وفي الوجه الآخر بالأبيض والأحمر والأخضر ـ كالتي كان يستعملها يوسف شعبان في مسلسل "عيلة الدوغري" ـ وكذلك المتر الخشبي القديم ذي اللون البني الفاتح.
لي تجربة مروعة مع هذه الماكينة كتبتها في نص قديم اسمه "الحبل السُري": "بينما كان صغيرًا/ كان يراهم يضعون القطع القماشية الممزقة/ أو المنفصلة عن بعضها البعض/ أسفل إبرة ماكينة الخياطة/ ثم يديرون المقود الدائري/ لتتحرك الإبرة سريعًا فوق ثقوب القماش/ والقطع المتباعدة/ فتختفي الثقوب/ وتتلاحم القطع المتباعدة/ كان مبهورًا بما يراه/ حتى أنه انتهز فرصة عدم انتباههم له/ وابتعادهم عن ماكينة الخياطة/ وقرر أن يمارس الأمر بنفسه/ لم يبحث عن قماش ممزق ليرتقه/ أو قطع متباعدة ليلحمها/ فقط/ وضع إصبعه الصغير أسفل الإبرة/ وأدار المقود/ بالطبع/ كانت هناك دماء كثيرة/ وصرخات كثيرة/ وألم كبير/ لكنه بعد أن انتهى من البكاء/ وبعد أن صار إصبعه ملفوفًا بضمادة سميكة/ لم يعرف لماذا فعل ذلك/ لماذا وضع إصبعه بديلاً للقماش/ حتى بعد سنوات كثيرة جدًا/ لم يعرف/ فقط/ كان يشعر بضرورة ما فعله/ حتى أنه إلى الآن/ وكلما وقعت عيناه على ماكينة خياطة/ يظل يتأملها طويلًا/ ثم بشكل تلقائي جدًا/ يجد نفسه متوجهًا في صمت/ نحو أية مرآة قريبة".
الترا صوت ـ 12 أكتوبر 2017
تتمحور فكرة الرواية الرابعة لرزق حول طفلٍ ينشرُ ما يقول أنّها مذكرات والده الذي تدور حول طفولته، وذلك بعد وفاة الوالد إثر حادث غامضٍ وغريب، وتؤرخ تلك المذكرات لفترة الثمانينيات في مدينة المنصورة المصريّة، إذ يحاول الوالد من خلال الكتابة الانتقام من ذكرياته الماضيّة، حيث يعتبر أنّ الأمر وسيلًة لمواجهة طغيانها والتشويش على مشاهدها. ويستمرّ الطفل في نشر المذكرات طيلة فصول الرواية، قبل أن ينتهي الأمر في الفصل الأخير منها "لغز كاتب المسرح" الذي يضع الابن والأب والمذكّرات والحادث في موضع الاستفهام، وتتحوّل تلك المذكّرات إلى لعبة من المفاجآت يمتزج فيها الوقعي والخيالي والسوريالي.
يذكر أنّ ممدوح رزق كاتب وناقد مصري يكتب في عدد من الجرائد والمجلّات المصريّة والعربية، وقد صدر لهُ عددًا من الأعمال الأدبيّة نذكر منها: "السيء في الأمر" (نصوص)، "مكان جيد لسلحفاة محنطة" (مجموعة قصصيّة)، "خلق الموتى" (رواية)، "هفوات صغيرة لمغيّر العالم" (مجموعة قصصيّة)، "خيال التأويل" (قراءات نقديّة).
من الرواية
ماكينة خياطة "سنجر مرسيدس" كانت تستعملها جدتي وأمي وأختي، وكانت توضع أمام الكنبة بجوار حجرة والديّ، وأحيانًا كانت تنتقل صباحًا إلى داخل هذه الحجرة لتوضع بجوار البابين المغلقين للبلكونة ذات الشيش المفتوح. كانت جدتي تجلس خلفها ـ حيث أبي في عمله خارج البيت ـ وتفصّل الملابس. كانت الصالة وحجرة والديّ تمتلئان أحيانًا ـ عندما تعمل ماكينة الخياطة وقتًا طويلاً وأيامًا متواصلة ـ بالأقمشة، والقصاصات، وبكرات الخيوط بالإضافة إلى "المازورة" الملونة في أحد وجهيها بالأصفر، وفي الوجه الآخر بالأبيض والأحمر والأخضر ـ كالتي كان يستعملها يوسف شعبان في مسلسل "عيلة الدوغري" ـ وكذلك المتر الخشبي القديم ذي اللون البني الفاتح.
لي تجربة مروعة مع هذه الماكينة كتبتها في نص قديم اسمه "الحبل السُري": "بينما كان صغيرًا/ كان يراهم يضعون القطع القماشية الممزقة/ أو المنفصلة عن بعضها البعض/ أسفل إبرة ماكينة الخياطة/ ثم يديرون المقود الدائري/ لتتحرك الإبرة سريعًا فوق ثقوب القماش/ والقطع المتباعدة/ فتختفي الثقوب/ وتتلاحم القطع المتباعدة/ كان مبهورًا بما يراه/ حتى أنه انتهز فرصة عدم انتباههم له/ وابتعادهم عن ماكينة الخياطة/ وقرر أن يمارس الأمر بنفسه/ لم يبحث عن قماش ممزق ليرتقه/ أو قطع متباعدة ليلحمها/ فقط/ وضع إصبعه الصغير أسفل الإبرة/ وأدار المقود/ بالطبع/ كانت هناك دماء كثيرة/ وصرخات كثيرة/ وألم كبير/ لكنه بعد أن انتهى من البكاء/ وبعد أن صار إصبعه ملفوفًا بضمادة سميكة/ لم يعرف لماذا فعل ذلك/ لماذا وضع إصبعه بديلاً للقماش/ حتى بعد سنوات كثيرة جدًا/ لم يعرف/ فقط/ كان يشعر بضرورة ما فعله/ حتى أنه إلى الآن/ وكلما وقعت عيناه على ماكينة خياطة/ يظل يتأملها طويلًا/ ثم بشكل تلقائي جدًا/ يجد نفسه متوجهًا في صمت/ نحو أية مرآة قريبة".
الترا صوت ـ 12 أكتوبر 2017