يتخيّل حكايات بين الأرستقراطيين، والكهنوت، والعمال في العصور الوسطى
مستدعياً “حكايات كانتربري” لـ “جفري تشوسر”.. يقول إنه لا تكفي رواية واحدة، ولا
أكثر من رواية لتناول القرون المظلمة.
أعرف أن عملي يقتضي أن أخترق اللاشعور كي أفضح المكبوت الذي يرفض الاعتراف به.. أن أكشف الأسرار التي يخاف من مواجهتها.. أن أصطاد هفوات، وسقطات لسانه، وأن أتوصل إلى معانٍ لها وفقاً للعوامل، والملابسات التي أدت لحدوثها، ودون التقيد بنقاط استدلال ثابتة. هفوات، وسقطات لسانه، أم هفوات، وسقطات أزرار اللاب التي أكتب بها الآن.. لاشعوره هو، أم الأحكام اللاواعية التي تسيّرني، وتحدد قدري.. اعترافاته، أم البوح الثقيل، السخيف، غير المبرر، الذي يجب أن أؤديه كعقاب لا أدري على أي ذنب.. دوافعه البدائية، أم غرائزي الجنسية، والعدوانية.. سعيه للتوازن مع النزوات، أم محاولاتي لترويض الذكريات، وحفظ الذات.. أبوه، وأمه، أم الطبيعة السامية للأوامر، والنواهي التي ورثتها عنهما.. من منا الذي يريد أن يضع “الأنا” مكان “الهو”، ويريد أن يعرف ما الشيء الذي يفكر في داخله، ويوجّه أفكاره، وأفعاله، وتخيلاته اللاهية.. في “خلق الموتى” كانت هناك سردية مضادة عن قتل الإبن استخدمتها لقتل الأب، ثم لإعادتهما إلى الحياة في صورة أخرى.. التخلّص بالدعابة من الأبوة، والبنوة معاً فلا أحد منهما يطيق الآخر، وكلاهما يتبادلان دوريهما، ويتصارعان طوال الوقت.. كأنه وجه آخر ـ هزلي ـ للذنب الأوديبي عند “ديستوفيسكي” في “الإخوة كرامازوف”.. ربما أمي هي التي كتبت “خلق الموتى”، وتكتب الآن “الفشل في النوم مع السيدة نون” بطريقة ما.
لا تحتاج الحروب، خاصة لو كانت ذات دوافع دينية إلى تبرير، أو تجميل، أو إلى استخدام نُبل الغاية، وروعة المقصد، وسمو الهدف في تحسين الصورة، أو تخفيف البشاعة.. يكفي ـ فقط ـ أن يتوقف المتحاربون للحظات قليلة ـ مجرد لحظات قليلة ـ وسط الدماء، والرايات، والرموز العقائدية المرفوعة فوق الجثث.. ينظرون فحسب إلى الغيوم الرمادية البديعة، التي تُغطي الزرقة الباهتة للسماء تدريجياً.. يطيرون بعيونهم نحو آماد الغروب الساحرة، الممتدة بلا آخر، والتي تُحاوط السكون، ونسائمه الملتذة من كل اتجاه.. يتأملون رقة هذا المشهد، ثم يعاودون القتال بعد أن حصلوا ـ عبر تلك اللحظات القليلة ـ على كل الحق في خوضه.
ما الفرق بين أن يكون لك صاحب واحد، أو عشرة، أو مائة، أو ألف.. في النهاية أنت لست صديقاً لأهل الأرض أجمعين ـ وهذه مشكلة كبيرة، ورئيسية ـ ولهذا تحاول دوماً إجبار نفسك على تصديق أن ما بحوزتك من الأصحاب يكفونك تماماً، وأنك لا تحتاج مع وجودهم للمزيد .. يشعرونك أن ما تود الفوز به من مقتنيات الكل قد اجتمع فيهم.. بصرف النظر عن الانتحار الذي تقوم به نتيجة ذلك الإجبار؛ فالعدد ليس مُهماً إذن.. يمكن لصديق واحد أن يؤدي المهمة، مثلما يمكن لعشرة، أو مائة، أو ألف.. أنت وحدك من يجب أن يحدد ما يلزمه من الناس ليشاركك في دراسة النماذج، والأنماط العليا في اللاشعور الجمعي.. الرواسب، والتجارب، والرموز في تاريخ البشرية.. أنت وحدك من يجب أن يحدد من يلزمه من سلالة (كارل يونج) كي تقاتله.
أقتطع جزءاً كبيراً من الجلسة لأشرح له ارتباط الفن بالمعتقد الديني، وبالفلسفة اليونانية في العصور الوسطى، والقصص المسيحية، والأساطير القديمة التي كانت تُرسم على جداريات ضخمة في الكنائس، وعلى أسقف الكاتدرائيات.
الطبقة الوسطى ـ خاصة في السبعينيات، والثمانينيات ـ صانعة المستشرقين، ومومس البلياتشو خائن الأمانة الوظيفية، والمرشدة السياحية لكل من فقأ عينيه بإصبعه .. ها أنا أُعمم كإبنٍ بار من أبنائها الذين اشتروا العدد 928 من مجلة “ميكي” بتاريخ 1 فبراير 1979 عن “الفضاء”، وحلموا بامتلاك الحذاء السحري الذي اخترعه “عبقرينو” كي يقطعوا 7 أميال بخطوة واحدة، والآن يحكمون العالم.
هل لديك الشجاعة لإيقاف الأمر الآن، والقبول بنزالٍ شريفٍ نخوضه كقوتين متساويتين، أم أنك لازلت مستمتعاً بجُبنك، وخِستك الحقيرة التي وسعت كل شيء؟.. نعم.. أحياناً أفترض أن هناك من تصله تلك الرسائل.
أعترف أنني تعمدت التخفيف بقدر الاستطاعة مما يُمكن أن يُعد بذاءة في لغة هذه الرواية، وذلك لترويض ما أقدر عليه من النفور الأخلاقي لدى نوعية معينة من القراء، والذي قد يُفسد علاقتهم بالرواية فينفصلون عنها كلياً.. يبدو ما أكتبه الآن مضحكاً لي جداً.. أعترف أنني حاولت ذلك أيضاً لإزالة العوائق المحتملة التي قد تمنع بعض دور النشر من نشرها، والتي قد تقف أيضاً عند فئة من محكّمي المسابقات ضد حصولها على جائزة.. ها قد وصل الضحك الآن إلى حالة مشابهة لتلك التي يُسببها لي فيلم (لا تراجع، ولا استسلام ” القبضة الدامية “).
وسيقتطعون فقرات من الرواية، وينتزعونها من سياق السرد كي يحاولوا استعادة كرامتهم، أو ليحصلوا على كرامة جاهزة مجاناً لكن هيهات!.
قلت له إن أختي التي فقدت أسرتها واحداً تلو الآخر بالتزامن مع تحوّلها من القنوات الإسلامية إلى الدراما التركية ثم الاستقرار حالياً على السينما الهندية كانت تحتاج بالفعل لأن أعطي لها ملحمة “مهابهاراتا” لتتمكن من فهم العقيدة الهندوسية التي تطاردها في الأفلام.. بالتأكيد ذهنها لن يقبل حتى مجرد التصور بأن الإله يتجسد في هيئة ما، وأن أرواح الموتى يُعاد بعثها في أشكال حياة مختلفة، وأنني أبكي كل ليلة ـ دون أن يعرف أحد ـ على كل ما جرى لنا.
أعرف أن عملي يقتضي أن أخترق اللاشعور كي أفضح المكبوت الذي يرفض الاعتراف به.. أن أكشف الأسرار التي يخاف من مواجهتها.. أن أصطاد هفوات، وسقطات لسانه، وأن أتوصل إلى معانٍ لها وفقاً للعوامل، والملابسات التي أدت لحدوثها، ودون التقيد بنقاط استدلال ثابتة. هفوات، وسقطات لسانه، أم هفوات، وسقطات أزرار اللاب التي أكتب بها الآن.. لاشعوره هو، أم الأحكام اللاواعية التي تسيّرني، وتحدد قدري.. اعترافاته، أم البوح الثقيل، السخيف، غير المبرر، الذي يجب أن أؤديه كعقاب لا أدري على أي ذنب.. دوافعه البدائية، أم غرائزي الجنسية، والعدوانية.. سعيه للتوازن مع النزوات، أم محاولاتي لترويض الذكريات، وحفظ الذات.. أبوه، وأمه، أم الطبيعة السامية للأوامر، والنواهي التي ورثتها عنهما.. من منا الذي يريد أن يضع “الأنا” مكان “الهو”، ويريد أن يعرف ما الشيء الذي يفكر في داخله، ويوجّه أفكاره، وأفعاله، وتخيلاته اللاهية.. في “خلق الموتى” كانت هناك سردية مضادة عن قتل الإبن استخدمتها لقتل الأب، ثم لإعادتهما إلى الحياة في صورة أخرى.. التخلّص بالدعابة من الأبوة، والبنوة معاً فلا أحد منهما يطيق الآخر، وكلاهما يتبادلان دوريهما، ويتصارعان طوال الوقت.. كأنه وجه آخر ـ هزلي ـ للذنب الأوديبي عند “ديستوفيسكي” في “الإخوة كرامازوف”.. ربما أمي هي التي كتبت “خلق الموتى”، وتكتب الآن “الفشل في النوم مع السيدة نون” بطريقة ما.
لا تحتاج الحروب، خاصة لو كانت ذات دوافع دينية إلى تبرير، أو تجميل، أو إلى استخدام نُبل الغاية، وروعة المقصد، وسمو الهدف في تحسين الصورة، أو تخفيف البشاعة.. يكفي ـ فقط ـ أن يتوقف المتحاربون للحظات قليلة ـ مجرد لحظات قليلة ـ وسط الدماء، والرايات، والرموز العقائدية المرفوعة فوق الجثث.. ينظرون فحسب إلى الغيوم الرمادية البديعة، التي تُغطي الزرقة الباهتة للسماء تدريجياً.. يطيرون بعيونهم نحو آماد الغروب الساحرة، الممتدة بلا آخر، والتي تُحاوط السكون، ونسائمه الملتذة من كل اتجاه.. يتأملون رقة هذا المشهد، ثم يعاودون القتال بعد أن حصلوا ـ عبر تلك اللحظات القليلة ـ على كل الحق في خوضه.
ما الفرق بين أن يكون لك صاحب واحد، أو عشرة، أو مائة، أو ألف.. في النهاية أنت لست صديقاً لأهل الأرض أجمعين ـ وهذه مشكلة كبيرة، ورئيسية ـ ولهذا تحاول دوماً إجبار نفسك على تصديق أن ما بحوزتك من الأصحاب يكفونك تماماً، وأنك لا تحتاج مع وجودهم للمزيد .. يشعرونك أن ما تود الفوز به من مقتنيات الكل قد اجتمع فيهم.. بصرف النظر عن الانتحار الذي تقوم به نتيجة ذلك الإجبار؛ فالعدد ليس مُهماً إذن.. يمكن لصديق واحد أن يؤدي المهمة، مثلما يمكن لعشرة، أو مائة، أو ألف.. أنت وحدك من يجب أن يحدد ما يلزمه من الناس ليشاركك في دراسة النماذج، والأنماط العليا في اللاشعور الجمعي.. الرواسب، والتجارب، والرموز في تاريخ البشرية.. أنت وحدك من يجب أن يحدد من يلزمه من سلالة (كارل يونج) كي تقاتله.
أقتطع جزءاً كبيراً من الجلسة لأشرح له ارتباط الفن بالمعتقد الديني، وبالفلسفة اليونانية في العصور الوسطى، والقصص المسيحية، والأساطير القديمة التي كانت تُرسم على جداريات ضخمة في الكنائس، وعلى أسقف الكاتدرائيات.
الطبقة الوسطى ـ خاصة في السبعينيات، والثمانينيات ـ صانعة المستشرقين، ومومس البلياتشو خائن الأمانة الوظيفية، والمرشدة السياحية لكل من فقأ عينيه بإصبعه .. ها أنا أُعمم كإبنٍ بار من أبنائها الذين اشتروا العدد 928 من مجلة “ميكي” بتاريخ 1 فبراير 1979 عن “الفضاء”، وحلموا بامتلاك الحذاء السحري الذي اخترعه “عبقرينو” كي يقطعوا 7 أميال بخطوة واحدة، والآن يحكمون العالم.
هل لديك الشجاعة لإيقاف الأمر الآن، والقبول بنزالٍ شريفٍ نخوضه كقوتين متساويتين، أم أنك لازلت مستمتعاً بجُبنك، وخِستك الحقيرة التي وسعت كل شيء؟.. نعم.. أحياناً أفترض أن هناك من تصله تلك الرسائل.
أعترف أنني تعمدت التخفيف بقدر الاستطاعة مما يُمكن أن يُعد بذاءة في لغة هذه الرواية، وذلك لترويض ما أقدر عليه من النفور الأخلاقي لدى نوعية معينة من القراء، والذي قد يُفسد علاقتهم بالرواية فينفصلون عنها كلياً.. يبدو ما أكتبه الآن مضحكاً لي جداً.. أعترف أنني حاولت ذلك أيضاً لإزالة العوائق المحتملة التي قد تمنع بعض دور النشر من نشرها، والتي قد تقف أيضاً عند فئة من محكّمي المسابقات ضد حصولها على جائزة.. ها قد وصل الضحك الآن إلى حالة مشابهة لتلك التي يُسببها لي فيلم (لا تراجع، ولا استسلام ” القبضة الدامية “).
وسيقتطعون فقرات من الرواية، وينتزعونها من سياق السرد كي يحاولوا استعادة كرامتهم، أو ليحصلوا على كرامة جاهزة مجاناً لكن هيهات!.
قلت له إن أختي التي فقدت أسرتها واحداً تلو الآخر بالتزامن مع تحوّلها من القنوات الإسلامية إلى الدراما التركية ثم الاستقرار حالياً على السينما الهندية كانت تحتاج بالفعل لأن أعطي لها ملحمة “مهابهاراتا” لتتمكن من فهم العقيدة الهندوسية التي تطاردها في الأفلام.. بالتأكيد ذهنها لن يقبل حتى مجرد التصور بأن الإله يتجسد في هيئة ما، وأن أرواح الموتى يُعاد بعثها في أشكال حياة مختلفة، وأنني أبكي كل ليلة ـ دون أن يعرف أحد ـ على كل ما جرى لنا.