الأحد، 11 أغسطس 2024

افتتاحية العدد الثالث من مجلة "الناقد"

يمثل كتاب "القصة القصيرة" للناقد الإنجليزي آيان رايد النموذج المناقض لكتاب "الصوت المنفرد" للكاتب والناقد الإيرلندي فرانك أوكونور والذي تناولته في المقال السابق .. كنت قد حصلت على الكتابين في نفس المساء ـ كما سبق وذكرت ـ من معرض الكتاب بالمنصورة عام 1993، وحين انتهيت من قراءتهما أدركت الفرق بين "النصية الحميمية" للنقد الأدبي كما عند أوكونور، و"العلمية الجافة" كما لدى آيان رايد، مع أهمية التعريفات والمصطلحات الدقيقة التي تضمنها كتابه خصوصًا بالنسبة لكاتب يخطو خطواته الأولى في كتابة القصة القصيرة ونقدها.

صدر كتاب "القصة القصيرة" لآيان رايد عام 1990 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمة د. منى مؤنس واشتملت فصوله على مناقشة لتعريف القصة القصيرة، وعرض لتاريخ القصة القصيرة من العصر القديم إلى العصر الحديث، وتناول لأشكال أدبية تابعة للقصة القصيرة، ومقارنة بين القصة القصيرة والأنواع الأخرى من الكتابات النثرية وكذلك شرح لخصائص القصة القصيرة .. من ضمن ما لفت انتباهي في الكتاب أن "الصوت المنفرد" لفرانك أكونور كان من المصادر التي اعتمد عليها آيان رايد، وبالرغم من أن "الصوت المنفرد" كان يجسّد ـ وبشكل ساحر ـ ماهية عمل الناقد بالنسبة لي إلا أنني أدركت أن "اللعب الشاعري" ليس ضامنًا للتخلص من غريزة "الحكم الأبوي" على النصوص الأدبية، والدليل على ذلك أنني مع الاستغراق التام في الحديث الفاتن لفرانك أوكونور عن تاريخ القصة القصيرة كنت متيقظًا برفض عفوي "للانتقادات الإلهية" التي كان يطلقها أوكونور تجاه بعض النصوص التي يحللها ـ كما فعل مع موباسان وهمنجواي وكاثرين مانسفيلد مثلًا ـ حتى وإن لم أكن قد قرأتها من قبل، ولكنني كنت أمتلك في تلك الفترة المبكرة ما يمكن اعتباره وعيًا شاحبًا وأصيلًا، بأن "الحميمية النقدية" لا تعطيك الحق في أن تعيّن نفسك "شرطي القصة القصيرة".
في المقابل فإن الرصانة النقدية التي يمثلها آيان رايد لا تعني مطلقًا حتمية "الحضور الأبوي" بكل ما يتسم به من تحيزات عقابية مطلقة، ولهذا فإن جوهر "الناقد" كما تشكّل في بصيرتي منذ البداية ـ ومثلما أشرت في مقالي السابق ـ يمزج بين اللعب الحميمي وتفكيك "الحكم الإلهي" على النصوص، أي أنه أبعد ما يكون عن "الوصاية" التي لا تقوى سوى على محاولة إخضاع "الكتابة" / الحياة والموت إلى مجرد "وجهة نظر"، أو "زاوية رؤية" يتوهم صاحبها أنها "الصواب المطلق للعالم" وبالتالي لا يمكنه تحمّل وجود ما يناوئها.
تحميل العدد