جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.
الخميس، 16 مارس 2023
لافاش كيري
لم تكن أغنية إعلان لافاش كيري تجعلني أحلم بأن نتحوّل إلى تلك الأسرة السعيدة التي تعدو بمرح نقي داخل المرعى الفردوسي وسط الأبقار في ظهيرة حانية، ويفترشون العشب بألفة آمنة ليتناولوا شطائر جبنة “البقرة الضاحكة”، وإنما كانت تعدني بأننا من الممكن أن نكون كذلك بالفعل .. ألم نكن نأكل نفس نوع الجبن يا مجدي؟ .. ألم تكن نفس البقرة تضحك في وجوهنا ـ رغم كل شيء ـ من غطاء العلبة كلما أخرجناها من الثلاجة ووضعناها فوق طاولة العشاء؟ .. ألم نكن بشرًا مثلهم؟ .. كانت الأغنية تؤكد الاحتمالات المخبوءة للخلاص في كل شيء جميل جربته في طفولتي يا مجدي، وكانت دلالته بالضرورة تتجاوز في نفسي كونه شيئًا جميلًا إلى كونه وعدًا بنجاة كاملة، أبدية، محصنة، تشبه تلك التي تعيش عند حافتها المنغّمة هذه الأسرة في إعلان لافاش كيري .. كل الأشياء الجميلة كانت كذلك .. كانت وعودًا متجذرة في نفسي .. مبررات بديهية للأمل تتخطى حدودها الملموسة .. هل كل الأطفال كذلك يا مجدي؟ .. ربما الفرق أن هناك طفلًا يستسلم لتبدد هذه الاحتمالات من حياته مع كل لحظة تمر في مغادرة الطفولة، ينسى أن الأشياء الجميلة في الماضي لم تكن مجرد أشياء جميلة، يتعايش مع فقدان الوعود بذاكرة مطموسة، ببدائل مكرسة لمحاولة تخفيف آلام الاحتضار وحسب .. لكن وعيي لم يستسلم يا مجدي .. عدم الاستسلام حماني من النسيان ولعنني بغيابه، منعني من التعايش مع الفقدان، الخيانة وحدها هي ما أبقت ذاكرتي حية .. لهذا أنا لا أريد أن أعود لكي أكون ذلك الطفل الذي تحلق روحه بنشوة رائقة حينما يُعرض إعلان لافاش كيري فقط، وإنما أريد الحصول على ما كانت هذه النشوة تنبئ به أيضًا .. لا أريد أن نعود كأسرة تعيش في الثمانينيات أمام التليفزيون، ولا حتى أن نكون تلك الأسرة السعيدة وراء شاشته فقط، وإنما أريد أن نعود إلى ما كانت الثمانينيات طريقًا له أيضًا .. الطريق المقطوع من قبل أن نوجد يا مجدي.