الثلاثاء، 23 مارس 2021

القطار

ليست المرة الأولى التي آتي فيها إلى كافتيريا محطة القطارات هذه .. فعلت ذلك كثيرًا .. كل مرة أجمع ملابسي وأغراضي في هذه الحقيبة، ثم أغادر البيت من دون أن يشعر بي أحد .. يحدث الأمر أحيانًا في الصباح، وأحيانًا في المساء .. لكنني دائمًا لا أشتري تذكرة .. أجلس فقط في كافتيريا المحطة مثل بقية المسافرين، كأنني في انتظار قطار ما .. أتناول قهوتي وأدخن بضعة سجائر، وأتخيل مشاهد وداع لم تحدث بيني وبين أولئك الذين تسللت خارج حياتهم وجئت إلى هنا .. دموعهم المتوسلة وضحكاتي المكتومة وراء قناع من ألم الفراق .. أتخيل الخطابات الانتقامية التي سأرسلها إليهم حين أنتقل إلى ذلك المكان البعيد المجهول .. الماضي الذي سأتمكن أخيرًا من أن أحكيه لهم بطريقتي .. بعد ذلك أحمل حقيبتي وأعود ثانية إلى البيت قبل أن يعلم أحد بغيابي .. كأنما لم أستطع اللحاق بذلك القطار الذي كان ينبغي أن يسافر بي .. أعود كشخص آخر يمكنه الوصول إلى حافة ما .. صحيح أنه لا يتجاوزها أبدًا، لكنه على الأقل قادرًا على التظاهر باستعداده لذلك .. بأنه ليس خائفًا، أو أسيرًا للذكريات .. قادرًا على التظاهر بأنه يستطيع أن يتحمّل الفقدان، ولو لبعض الوقت.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 19 مارس 2021
اللوحة: Michèle Lehmann (b. 1940). Waiting