لكن ثمة إجابة أخرى تتعلّق بأشكال الحياة التي يختبرها الكاتب .. أن
تخوض المغامرة بقناع تؤمن مؤقتًا أنه وجهك الأصلي .. بتصديق ظاهري مطمئن إلى أن ما
يحرّك خطواتك ليس إلا ذلك الشبح الانتهاكي الكامن في داخلك وراء كل يقين عليك
ادعائه .. وفقًا لهذا فأنت لم تكن صديقًا أو رفيقًا لكتّاب وفناني المدينة التي
تسكنها، وإنما كنت ذلك الشخص الذي يجرّب ما الذي يكون عليه المرء حين يصبح صديقًا
أو رفيقًا لكتّاب وفناني المدينة التي يسكنها .. ما الذي يكون عليه حين يصبح عضوًا
في "مختبر سرديات" .. ما الذي يكون عليه حين يصبح فاعلًا في "وسط
ثقافي".
هل هناك ما يربط بين حياة الكاتب التي تتضمن كل الحيوات ولا يعيشها،
والقناع الذي يتنقل به من وجود لآخر؟ .. يمكن تحديد هذه العلاقة على نحو مختزل في
أن جميع صور "الحياة" ـ بالنسبة لي ـ لا يتم استهدافها بغرض الإقامة،
وإنما الاختراق .. لا أريد جميع أنواع الحياة كي أستقر داخلها، بل من أجل تدميرها
.. لتحريض عناصرها المتشابكة ضد نفسها .. يشبه الأمر غريزة خفية تنمو تدريجيًا على
مدار العمر كجحيم ذاتي، لا تنفلت من لذته أكثر المشاهد الطفولية براءة وحميمية ..
لهذا فالماضي ليس موضوع الحنين بشكل مطلق، وإنما الوعود المجهولة لهذا الماضي قبل
تقويضه .. الوعود التي بالرغم من انفصالها عن الذكريات؛ كان يجب لغموضها أن يُخلق
عبر كل واقع قديم .. إنها الغريزة التي لا تعلن عن مشيئتها إلا من خلال الكتابة ..
الجحيم الذي لا يكشف عن إرادته الثابتة إلا بواسطة القصص القصيرة، خاصة تلك التي
عن المطاردين دومًا من سخرية الأقنعة.
موقع "الكتابة" ـ 18 أغسطس 2020