الأحد، 26 أبريل 2020

بندقية تشيخوف

ما الذي جعلك كشخص توقف منذ فترة طويلة عن الخروج من بيته تحتفظ على هاتفك المحمول، الفارغ من شريحة الاتصال، بمقطع فيديو لرجل يمسك ببندقية، ويطلق النار على السائرين في نفس المدينة التي تعيش فيها؟ .. مقطع لا يتجاوز ثواني قليلة، تم تصويره بكاميرا هاتف محمول، تمسك به يد مرتعشة من نافذة بعيدة إلى حد ما، تقع وراء ظهر الرجل المتحرك للأمام بخطوات متمهلة، يتخللها توقفات قصيرة بحسب لحظات التبادل بين تجهيز البندقية وإطلاق النار .. لم يظهر خلال تلك الثواني وجه الرجل، كما لم تلتقط الكاميرا إصابة أحد من المارة الذين ترك فرارهم السريع خلاءًا ثابتًا حول حركته، قبل أن تسقطه رصاصة أطلقها فيما يبدو فرد من الشرطة على إحدى قدميه، الأمر الذي أتاح للسائرين الاندفاع فورًا تجاهه ثم الانقضاض على جسده المُلقى في منتصف الشارع بجوار بندقيته .. لماذا لم تهتم بالحصول على معلومات تفسيرية لهذا المقطع المنشور على شبكة الإنترنت تتجاوز تعريفك الخاص: رجل يطلق النار على المارة في أحد شوارع المدينة التي يسكنها شخص توقف منذ فترة طويلة عن الخروج من بيته؟ .. لا تعيد مشاهدة هذا المقطع كل يوم، وإنما فقط بعدما تستيقظ من أحد الأحلام المتباعدة التي تعيش خلالها لحظات تعذيبية من الماضي، ليس كما تتذكره، وإنما كما حدث في أصالته السحرية المخبوءة .. لماذا تشاهد هذا المقطع حينئذ، كأنما تتفحص ظلًا مستقرًا داخل صور ألبوم قديم، حيث وجوه توزعت ابتساماتها الغافلة في أماكن عدة من ذكريات المدينة؟ .. الذكريات التي حينما لم تستطع أن تخلق بدايتها الغامضة على نحو ٱخر، أو على الأقل أن تضمن لها البقاء كما كانت؛ قررت أن تقضي ما تبقى من حياتك في نسج دعابات هازئة حول غيابها .. لماذا ترتسم دائمًا تلك الابتسامة الممتنة في روحك كلما شاهدت هذا المقطع؟ .. أنت تعرف الإجابة جيدًا، مثلما تعرف أن بندقيتك في بقائها معلقة فوق الحائط لن تدفع أحدًا لمحاولة تعطيلها.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 22 إبريل 2020