الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

صمت منفرد

خلال ثلاثين عامًا، غابت أشياء كثيرة عن البيت الذي مات أهله تباعًا، لكن الساعة ظلت كما هي، حتى المسمار الذي يحملها منذ البداية، لم يرتعش طوال تلك السنوات .. استبدلت أغراض عديدة أماكنها، لكن الساعة لم يتغيّر أبدًا موضعها على الحائط، كأنها جزء أصيل من تكوينه .. تراكمت على الموجودات القديمة آثار الزمن، لكن الساعة بقيت دون علامات ضرر، كشيء لم يُستعمل مطلقًا .. ربما يكمن السر في أن عقاربها قد توقفت عند لحظة محددة منذ ثلاثين عامًا ..  اللحظة التي كنت أجلس خلالها كطفل غافل، تتنقل عيناه بين وجوه أسرته التي مازالت على قيد الحياة، ثم رأيت فجأة عجوزًا لا أعرفه، يمر في منتصف الشقة، جالسًا فوق كرسي متحرك قبل أن يختفي على الفور .. رجل عجوز لم ينتبهوا إليه، ولم أقدر على إخبار أحد بأنني رأيته، كما لم أعرف هل سيعاود الظهور ثانية أم لا .. لذا، وحتى لا تضيع ملامحه من ذاكرتي؛ قررت أن أغلق على نفسي باب الحجرة، وأن أحاول وصفه سرًا بكلمات مكتوبة، غير مُدرِك بأنها ستصير القصة التي لن ينجو منها أحد.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 4 نوفمبر 2019
اللوحة: Edgar Fernhout