لم يكن يستطيع أن يبوح بما يريد لأحد من الذين يتعاقبون كل يوم على
ركوب التاكسي الذي يقوده، وتحديدًا الذين تُظهر ملامحهم تقاربًا مع عمره، خاصة
أثناء الدوران آخر الليل في سكون المدينة .. لم يقدر حتى على النظر في عيني أي
منهم، ولو عبر المرآة الأمامية الصغيرة .. كان كل ما بوسعه هو تشغيل أغنيات قديمة
كشفرة متوسلة، يرجو أن يلتقطها الجالس بجواره ويستجيب لها، قبل أن ينتهي الزمن
الوداعي للصدفة التي جمعتهما .. لكن دائمًا ما يترك المغادر خيبة أمل جديدة، إما
بسبب عدم الانتباه، أو الفهم الخاطئ للرسالة الرمزية المنبعثة من مسجّل السيارة ..
خيبة أمل تضاف لمثيلاتها التي تزايدت، وتوطد تلاحمها بمرور السنوات، بحيث أصبحت
مكوّنًا سريًا للتاكسي، ومصدر ترنّحه المتفاقم، الذي لا يشعر به إلا سائقه العجوز
.. لم يكن يستطيع أن ينظر بالدموع المتراكمة في عينيه لأحد كي يسأله: هل يمكنك أن
تصف لي الطريق إلى بيتي؟.
منصَّة (Rê) الثقافيَّة ـ 22 نوفمبر 2019