مرة كنت غاضباً جداً منها لسبب لا أتذكره .. رأيتها جالسةً على الكرسي
الخشب الصغير، وتشطف الغسيل في آخر الحمام .. وقفت عند الباب، وأنزلت البنطلون،
وتبوّلت عليها .. كان الحمام ضيقاً، والمسافة بيني، وبينها مهيأة للصنانة كي تغرق
وجهها، وجسمها .. ظلت تحدّق فيّ بذهول، وهي تحاول تفادي المطر الأصفر، الساخن دون
فائدة .. يومها غضبت مني جداً يا دكتور، وتقريباً صفعتني، وخاصمتني لفترة قصيرة ..
كان لدي يقين بأنها لا تعاقبني على التبوّل نفسه، وإنما على المتعة التي عشتها في
تلك اللحظة .. انتقام من الشغف الذي احتفلت به ملامحي نتيجة إذلال نجحت في ارتكابه
ضدها .. هل كانت هناك وفرة من الأجزاء المكشوفة في جسد أمي وقت انهمار الصنانة
عليها .. لا أتذكر.
كانت تُحذرني دائماً من التحدث، أو الرد على (الأشرار) الذين تمتلئ
بهم المنطقة الشعبية التي نسكنها .. باعة المخدرات، والحرامية، والبلطجية،
والقوادون، والمومسات .. ذات مرة كنت عائداً معها من المدرسة، وبينما كنت أسبقها
بخطوة واحدة في المرور على الرصيف النائم تحت بلكونتنا؛ كان واحد من (الأشرار)
جالساً .. مد رأسه مبتسماً بودٍ لحظة عبوري أمامه بالمريلة، والحقيبة المدرسية فوق
ظهري، ثم سألني مُداعباً: (المدرسة حلوة؟) .. لم أنظر إليه، ولم أرد تنفيذاً
لتعليمات أمي، لكنني فوجئت بها تُجيبه من خلفي قائلة: (حلوة) .. التفت مذهولاً،
فوجدتها مبتسمة بودٍ يفوق ذلك الذي على ملامح (الشرير) كأنها تعتذر له عن عدم ردي
عليه .. لم تكن هناك ذِلة تجبرها على الرد؛ لأنها كانت (الأبلة) الوقورة، الطيبة،
التي تُعلم أطفالهم، وكان الجميع في الشارع يحترمونها جداً، ويتعاملون معها بكل
التقدير .. لم أطلب منها تفسيراً للتناقض بين أوامرها، وأفعالها، ولم أخبرها بأنني
لا أعتبرهم (أشراراً)، وبأنني أريد أن أتكلم معهم، وأضحك لهم، أو على الأقل الرد
عليهم لو تحدثوا إليّ .. احتفظت بكل التخبّط في داخلي، وربما كان هذا الموقف من
ضمن الأسس التي ستجعلني أكتب القصة القصيرة بعد ذلك.