يواجه كاتب الخيال العلمي في تصوّري نوعين أساسيين من القمع: الأول
يتعلّق بالسلطة الثقافية، وهرميتها القيمية المنحازة، التي تتحكم في الوعي العام،
وسوق النشر، وحركة التداول. أما الثاني فيرجع إلى الجمود الذاتي ـ وله أسباب
متعددة ـ الذي يمنع أعمال الكتّاب من أن تقدّم تمردًا ـ عصريًا ـ فعليًا على
الخبرة النمطية لهذا النوع من الكتابة. يبقى الفرق بين رواية الخيال العلمي والرواية
المعرفية إضافة إلى الاعتماد الجوهري على ما بعد "العلوم الطبيعية" متضمنًا
المسارات الفلسفية والتاريخية المختلفة، والقدرة على التخطي الخيالي للأنساق
"المعلوماتية"، هو وضع تاريخ كتابة الخيال العلمي موضع المساءلة عند كل
كتابة كأنها مفترق للطرق. هذا ما يجعل "المعرفة" في نطاق غير وظيفي، أي
غير محدد باستعمال المعلومات كذاكرة مستدعاة فحسب، بل يتعمّد هذا النطاق تحفيزها
أيضًا على مقاومة براهينها. أعتقد أنه على كاتب الخيال العلمي ـ فضلا عن كونه
مطالبًا بتوزيع مسارات انشغاله وطرق اكتسابه لـ "خامات" المعرفة، حيث كل
شيء يقبل التورط ـ عليه أيضًا عدم التوقف
عن محاكمة الفوارق الشائعة بين الخيال والعلم، وعدم الاعتماد ـ كما كان الحال أغلب
الوقت ـ على الاستشراف الغرائبي أو التنبؤ الإعجازي، وأن يدفع بالفلسفة ـ أي العمل
غير المنضبط للفكر ـ نحو اللعب بثنائية الحلم والواقع لمراوغة أصولها المحتملة،
وكذلك النظر إلى هذه الأداءات كأرق يلزم ما سبق وأسميته بـ (أحلام الطبيعة
العجائبية لـ "العلم" في المتن القصصي)، أي أن هذه الأداءات تمثل إعادة
كتابة لتاريخ أدب الخيال العلمي.
جريدة (الأخبار) المصرية ـ 25 إبريل 2018
جريدة (الأخبار) المصرية ـ 25 إبريل 2018