الجمعة، 29 أبريل 2022

ابتسامة الموت

أعرف يا ابنتي أنه في تلك اللحظات القليلة قبل الموت قد تذكر كل شيء فجأة .. بعد سنوات طويلة من النسيان التام استعاد أبي ذاكرته في ذلك المساء الأخير من عمره .. لكنه لم يسترجع الماضي كما حدث فحسب وإنما عاد إليه وهو راقد في سريره وراء باب حجرته المغلق كأنما اكتشف حياته في نهايتها بصورة مضاعفة .. كأنها أعمار الكائنات كافة منذ الأزل .. الدموع التي كانت في عينيه وهو ميت أخبرتني بهذا يا ابنتي .. ما كنت في حاجة لأكون ابنه حتى أدرك ذلك .. أيضًا لم تكن تلك الدموع ناجمة عما عاشه، وإنما عما لم يعشه .. الألوهة التي حُرم الجميع منها .. لهذا فالابتسامة الصغيرة التي ظلت ثابتة على وجهه كانت ساخرة بالضرورة وموجهة نحو السماء .. نعم يا أبي لابد أن تكون ابتسامة موتك ساخرة وموجهة نحو السماء .. ستكون ابتسامتك كذلك في عينيّ حتى ولو كان وجهك حينئذ خاليًا منها .. سأتخيلها يا أبي مثلما كنت أتخيل الجنة وأنا طفلة صغيرة نائمة في حضنك.