الخميس، 14 أبريل 2022

مُنزّهًا عن السماء

منذ عشرين سنة تقريبًا وبالتحديد بعد منتصف الليل بقليل لأحد الأيام المتشابهة؛ كنت تقف داخل الصيدلية تشتري مُسكّنًا للصداع حينما وجدتني أدخل من الباب: امراة عجوز، لا يبدو عليها الفقر أو التشرد، في عينيها هلع مكتوم وعلى ملامحها توهان يائس .. سمعتني أطلب من الصيدلي بصوت خافت ومرتعش أن يقيس لي ضغط الدم .. ظللت تتأمل وجهي بطرف عين وأنت تتباطأ في الخروج من الصيدلية حاملًا علبة الـ (كيتوفان) قبل أن تعود إلى بيتك بسعادة مرتبكة .. قضيت ليلتك في الحفر داخل صورتي القابضة على ذهنك، تفكر في حياتي، في اللحظات التي سبقت خروجي المنتفض وحدي من منزلي في هذه الساعة المتأخرة من الليل، تتساءل لماذا لم يرافقني أحد إلى الصيدلية، وما الذي سأفعله بعد رجوعي إلى المنزل .. كنت غنيمة قصتك الجديدة التي كتبتها في اليوم التالي:

“الذي يستحق

وبعد أن عادت العجوز إلى بيتها، جلست صامتة .. بعد أن تلفتت كثيرًا حولها بدأت تضحك .. بالطبع؛ فهي لا تعرف لماذا فعلت ذلك .. لماذا خرجت مسرعة من البيت، في هذه الساعة المتأخرة من الليل، لتذهب إلى الصيدلية المجاورة، وتطلب من الطبيب أن يقيس لها ضغط الدم .. لا تدري لماذا ظلت عيناها تتحركان في قلق بين درجات المؤشر وعيني الطبيب .. بالفعل، هي لا تدرى لماذا فعلت ذلك .. لهذا تضحك .. لكنها ستصمت حينما تنتبه إلى أن الرجل والمرأة، اللذين يسكنان في البيت المقابل لا يزالان مستيقظين، ويتبادلان الحديث .. العجوز ستقرر الآن، الوقوف قليلًا في شرفتها”.

منذ عشرين سنة تقريبًا وبالتحديد بعد منتصف الليل بقليل لأحد الأيام المتشابهة؛ لم أعبر من الشارع إلى داخل الصيدلية وإنما خرجت منك .. كنت تحلم بما ستصبح عليه الآن مجسدًا في امرأة عجوز .. لكنني – رغم كل شيء – كنت نبوءة مروضة للعتمة التي ستنتهي إليها حياتك .. لم يعد لديك بعد كل تلك السنوات ما يستحق حتى أن تقف في الشرفة من أجله أو الإنصات للأحاديث الهامسة للجيران حين يقفون في شرفاتهم، كما أن الذهاب إلى الصيدلية لقياس ضغط الدم – وهو السبب الوحيد الذي قد يدفعك للخروج من البيت والتحدث مع أحد – لا تمتلك الجرأة للقيام به .. كأنك لو فعلت ذلك ستخون شجاعتك الساخرة من الغيب التي ربيتها طوال عمرك وجعلتك إلهًا مُنزّهًا عن السماء.