الجمعة، 2 نوفمبر 2018

عن الجملة الافتتاحية للرواية

أحب أن يكون للجملة المفتاحية في الرواية صوت "النداهة" في الأسطورة الريفية المصرية القديمة .. إغواء يوطده نوع من الهمس الشيطاني حتى لو كان يصف انفجارًا، أو يرصد عاصفة، أو يتأمل صرخة مضرجة بالدماء .. حتى لو كان مراقبة لضحكات طفل.
"أعرف يا أبي أنك أنت الذي فعلتها، أنت الذي تركت الرسالة التي فوجئ بها صباح اليوم أعضاء وزوار منتدى (أضواء المنصورة) وأبلغتهم فيها أنك قمت بالاستيلاء على المنتدى" .. فتحت هذه الكلمات باب الأكاذيب الصادقة في روايتي "خلق الموتى"، أما الهمس فهو لا يحرّض على التوغل في الغابة فحسب، بل على اليقين أيضًا بأن ثمة خطابًا سريًا، شخصيًا تمامًا، يكمن في انتظار ذلك الذي يتعيّن عليه دون أحد آخر أن يكتشفه داخل ظلامها. هكذا يمكن الإنصات إلى الروح الشريرة الفاتنة التي أراد ماركيز أن يستدرج قارئ "مائة عام من العزلة" بنبرتها الشبحية الخافتة نحو الشَرَك .. النبرة ذاتها التي استعملها كافكا في بداية "المسخ"، وبالطبع كانت لدى ألبير كامو في افتتاحية "الغريب". تُنسج الجملة المفتاحية وفقًأ لما يستقر عليه التواطؤ بين البنية المخاتلة للرواية ـ التي تتضمن ماضيها بالضرورة ـ وأبديتها الغامضة .. بين ما يجدر بها إخفاؤه، والعلامات التي تحفّز التفاصيل المعلنة على الاستمرار في تجاوز نفسها .. بين الشروط المخادعة للعبة، ونزع الغائية عن أحلامها .. لذا يمكن القول بأن العبارة الأولى هي التعويذة المقتضبة التي أقرتها الرحلة الذهنية لتشييد المتاهة، والتي تحاول أن تضمن للرواية ألا تنتهي، أي أن يواصل القارئ كتابة ذلك الخطاب السري بينما يحاول اكتشافه، وهو ما قد يجعلها كما أشارت جيني ديفيدسون في مقالها "البساطة أم الأسلوب؟" تتخذ حياةً بحد ذاتها.
شهادتي ضمن ملف "روائيون عرب عن الجملة الافتتاحية للرواية: هي الرؤية الفلسفية للنص" للكاتب "إيهاب محمود" على موقع "ضفة ثالثة".
1 نوفمبر 2018