الخميس، 14 سبتمبر 2017

إنهاء الدعابة

يطلب صديقي أن أصحبه لشراء تذكارات فرعونية لمعارفه الذين سيعود إليهم في بلد آخر .. أتوجه به إلى الشارع القديم الذي لا أمشي فيه إلا نادرًا .. لا أعرف أحدًا هناك، كما أنني لم أحصل بعد ـ رغم أربعين سنة في هذه المدينة ـ على من يمكنه معاونتي في التنقيب داخل تاريخه .. ندخل أحد المحلات العتيقة حيث يجلس صاحبه العجوز نصف نائم عند عتبته .. تشرق تجاعيده المتهدلة بإنهاك، كمن أبصر فجأة بعد عمر طويل في الظلام نقطة ضوء شاحبة .. يسرع بإيقاظ الوجوه والأجساد الصغيرة المدفونة تحت غبار الأرفف من سباتها العميق، وينزع عنها أغطيتها البلاستيكية ليجبرها على اتخاذ الوضعيات المثالية أمام عيوننا فوق السطح الزجاجي المنخفض للفاترينة الأمامية .. يتفحص صديقي ما تقدمه اليدان المرتعشتان للمحفظة المستقرة في جيبه الخلفي .. يسألني عن رأيي في كل قطعة .. يمر الوقت وأنا أتأمل النظرة المترجية المحاصرة بالغضون في وجه العجوز .. أفكر في أنه مثل الجميع هنا أو في أي مكان آخر؛ سيرفض التحدث معي لو حاولت سؤاله عن الجرائم، والأسرار المثيرة، والأحداث الغامضة التي جرت في الماضي داخل هذا الشارع ..  لكنني أعترف أيضًا بأن طبيعتي تجد في محاولة التقرّب من الغرباء ـ مهما كان الغرض ـ كابوسًا غير محتمل .. هذا ما أبقاني منذ أربعين سنة وحتى الآن في بيتي، أعيش حياة من الانتظار الدائم، متوسلا لتحقق صدف أو بالأحرى معجزات مستحيلة لا تطالبني باتخاذ الخطوة الأولى .. يسأل صديقي عن الخامات، ويفاضل بين الهدايا، ويتفاوض حول الأثمان، مستعرضًا ذكرياته عن شراء أشياء مماثلة بأسعار أقل.
أتسلل من أمام الفاترينة الزجاجية نحو الداخل، ثم أتوجه إلى الرفوف العالية وراء العجوز .. أبدأ في تسلقها حتى أصل إلى ذلك الرف الغارق في التراب، والذي لا يحوي أكثر من دفتر قديم استنتجت من وجوده بجوار الهاتف المعطّل، ذي الطراز العتيق أنه مغلق على أرقام تليفونات لم يتصل بها أحد منذ سنوات بعيدة .. أتكوّم منتشيًا هناك .. بين الدفتر والهاتف، كاتمًا السُعال الناجم عن تنفسي للغبار الكثيف، كي لا أثير الانتباه .. أُدخِل يدي تحت ملابسي ثم أبدأ في الاستمناء مراقبًا التأثيرات المتعاقبة لاختفائي المفاجئ، في انتظار اللحظة المناسبة كي أتحرّك إلى هذا الرف العالي الذي يحمل تلك القطعة الفرعونية الثقيلة فأزحزحها قليلا لتسقط عندما يكون رأس العجوز أسفلها.
اللوحة لـ jean rustin