الاثنين، 11 سبتمبر 2017

الأريكة القديمة

شعر فجأة بما يشبه احتراقًا خفيفًا في أطراف أصابع يديه .. نظر إليها .. رأى قشرة الجلد الرقيقة المحيطة بطرف كل إصبع قد تآكلت كاشفة عن طبقة أخرى أشد احمرارًا، كأنها الحاجز الهش والأخير قبل تدفق الدماء .. كان يجب أن يشعر بالفزع، أو على الأقل بالحدة القصوى من الدهشة، لكن استعادته لذكرى قريبة جدًا لم تسمح بذلك .. هذه ليست علة جسدية .. هكذا قرر مواصلا تأمل أطراف أصابعه المسلوخة، ومنتبهًا أيضًا إلى عدم ثبات التآكل .. كانت الحواف التي تفصل الجلد السليم عن الجلد المتسلخ آخذة في التقدم لالتهام بقية اليدين على نحو غير ملحوظ ولكنه مدرك تمامًا بالنسبة له.
أنت عائد للتو من أحد الأندية الأدبية التي استضافتك للتحدث عن أعمالك، وللإجابة عن أسئلة الحاضرين .. سألتك واحدة من القارئات عن الكيفية التي كتبت بها قصة (الغيب)، أي عن هذا الشخص الوحيد الذي يجلس فوق أريكة قديمة، ويتكلم مع كائن آخر غير مرئي .. صمت قليلا ثم أخذت تشرح كأنما كان عليك أن تختار إحدى البدايات المتاحة والخاطئة جميعها للتفسير، ثم تحاول دون فرصة للتراجع استدراك هذه البداية بمزيد متفاقم من الأخطاء .. عندما انتهيت أحسست بشكل مبهم أنك ستدفع ثمنًا لهذا بعد أن تعود إلى البيت وتكون وحدك، وها أنت الآن تراقب العقاب المستمر في التمدد .. حسنًا .. ما الذي ينبغي أن تفعله حالا؟ .. عليك ببساطة أن تكتب هذه القصة التي توثق اعترافك من جهة، وتطهّر القصة الأصلية من جانب آخر .. ألم أقل لك؟ .. بينما تتعاقب الكلمات والعبارات فوق هذا الفراغ الأبيض تبدأ أطراف أصابعك في التخلص التدريجي من الشعور بالاحتراق الخفيف مع عودة قشرة الجلد الرقيقة المحيطة بطرف كل إصبع للنمو حتى تكتمل ثانية .. كان يجب أن تفعل هذا؛ فأنت تعرف جيدًا أن الأريكة القديمة تزداد تهالكًا لحظة بعد أخرى، وأن خوفك من الجلوس عليها ملتصقًا بأحد المسندين قد تمادى لدرجة أنك أصبحت تتحاشى مجرد النظر إليها، وأن الكائن الآخر غير المرئي لا يزال جالسًا ملتصقًا بالمسند الثاني، وتزداد ضحكاته قوة لحظة بعد أخرى.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 9 سبتمبر 2017