السبت، 17 ديسمبر 2016

جزء من رواية (إثر حادث أليم)

بعد هذه الليلة بأيام قليلة كرر أبي نفس التهديد ـ كأن اللعبة أعجبته ـ ولكن هذه المرة في حجرته، وعلى سريره، وأمام البلكونة المفتوحة، وتحت المصباح الكبير الساطع داخل طبق الإضاءة الأحمر في السقف .. كنت أشاهد فيلم (الوزير جاي) في الصالة حينما سمعت ارتفاع نبرة الفزع في نداء أمي له، فأسرعت إلى حجرتهما بنفس الرعب الذي لم يكن قد تحول إلى ماضٍ بعد .. ظللت أنادي على أبي كأنني أقف على حافة هوة غامضة أراقب سقوطه وضياعه في ظلامها بينما كانت أمي تحاول إفاقته بالربت على خديه .. فتح أبي عينيه بتثاقل أقل إجادة من  المرة الأولى، وربما هذا ما جعلني أغادر الحجرة على الفور، وأعود للجلوس أمام التليفزيون ومتابعة الفيلم .. كان (لطفي عبد الحميد) أمامي على الشاشة يقول لـ (وحيد سيف): (دي موهبة قديمة عندي قوي يا فندم، ظهرت أعراضها عليا من وأنا طفل، تأثرًا بوالدي الله يرحمه) .. رغم قوة الشك في أن أبي قد توصّل إلى حيلة جديدة لتعذيبنا بادعاء الموت إلا أن تعبير (والدي الله يرحمه) أصبح بديلاً لدقات قلبي .. لم يعد ما أراه مجرد تمثيل، بل حوّله الخوف اليائس في روحي إلى علامة دامغة لحقيقة صارت قريبة جدًا فجأة .. ظللت أتأمل بدموع مكتومة وجه (لطفي عبد الحميد) محاولاً اكتشاف كيف يصبح الإنسان بعد أن يموت والده .. كأنني أعاين الشخص الذي أوشك أن أكونه، متخيلاً المرارة الفادحة لتلك الكلمات في فمي حين يأتي موعد التفوّه بها، وكيف يمكنني التعوّد على مذاقها بمرور الزمن حتى أصل إلى مثل هذه اللحظة التي أكون قادرًا خلالها على نطقها مبتسمًا بهذه الصورة العفوية، التي تجعلها مشابهة لأي كلمات أخرى: (والدي الله يرحمه).