تجربة لم تستمر إلا لثوان معدودة، انتهت بصدمة لم أضحك عليها إلا بعد مرور زمن طويل .. حينما بدأت أنا الآخر في استخدام كلمة “طيظ” في عبارات تمزج بين السخرية والغضب .. كنت شخصًا يسهل عليه بالطبع استعمال تلك المفردات وهو يخاطب طفلًا صغيرًا، أما أنا فلم أتوقف عند الاستفهام التوبيخي نفسه بقدر مواجهتي لما يشبه يقظة غريبة .. إفاقة مباغتة من شرود غير منطقي على حقيقة أنه ما كان يجب حقًا أن أتبعك .. كأنني انتبهت بشكل مفاجئ، وكنبوءة مراوغة، على ما سيصير إليه زمنك القصير اللاحق لتلك اللحظة.. كأن مصيرك قد تكشّف بطريقة غامضة أمام بصيرتي الطفولية، وكان يجب حينئذ أن أوقن بحتمية الابتعاد عن طريقك تفاديًا لتلك النهاية المأساوية التي تخاتلت في عينيك وأنت تنهرني عن الالتصاق بطيظك .. كأنما كنت تربد أن تنقذني بطريقتك المعهودة.
توقفت عن المشي وراءك طوال ما تبقى من حياتك، ولسنوات كثيرة جدًا بعد موتك .. حاولت التحرك في مسارات بعيدة عن تلك التي تركت خطواتك أثرًا دامغًا للهلاك في عتمتها .. كنت أتصور ذلك .. لكن الحقيقة أنني منذ ذلك اليوم البعيد في طفولتي ظللت أدور في مدارات فنائك .. أتوهم الابتعاد عن قبرك، ولكن كانت هذه المدارات تقربني إليه أكثر .. ببطء تام وعماء خالص .. لم أتوقف عن محاولة استرضاء جحيمك دون أن أشعر .. الاسترضاء الذي سيصبح لعبة طفولية لاختبار الموت بعدما أدركت في الأربعين من عمري أن قدمي الصغيرتين كانتا في باطن خطواتك .. أنني كنت أعيش هلاكك نفسه بمظهر مختلف ولمسافة مغايرة من الوقت .. بعدما أدركت أنني كنت أتبع نبوءتي الكامنة في نهايتك.
جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.