داخل هذه الصورة التي التُقطت في بداية التسعينيات يوجد شخص توفي عام 2022 .. ليس ذلك الذي أراد أن يكون الصديق المقرّب لكل فرد داخل الصورة ولم ينجح في هذا .. الذي فشل في أن يكون القائد لهذه الجماعة من الأصدقاء .. الذي استعمل محاولات التقرّب والخضوع لأقرانه كي يتخطى سلطة الصداقة فظل عالقًا في هامشها الغائم .. شخص آخر هو الذي مات .. عرفت ذلك حين قررت بعد ثلاثين سنة من التقاط الصورة أن أبحث على فيسبوك عن أولئك الذين شاركوني تلك اللحظة القديمة من عُمر الصبا .. عرفت ذلك حين قررت أن أبحث عنهم متوقعًا دون سبب واضح أنني سأعثر على أحدهم ميتًا .. بالرغم من أنه لم يكن لدي علم بأي شيء عن أفراد تلك الرفقة وما صارت إليه حياة كل منهم طوال هذه السنوات .. لكنني أعرف ما يكفي عن الموت .. كنت أبحث عنهم مترجيًا أن يخيب توقعي .. مجرد التيقن من أنهم مازالوا جميعًا على قيد الحياة كان يُبقي ـ ولو بنوع من الفانتازيا الاستدراكية الخرقاء ـ على إمكانية وصول شهوة الاستحواذ والتدمير المبكرة إلى الأورجازم المستحيل .. حتى لو توقفت عن التواصل مع كل الذين يتزاحمون تحت لافتة “الصداقة” منذ أعوام طويلة .. حتى لو كان مستبعدًا تمامًا أن تعاود مد طرف خيط كلامي مقطوع تجاه أي من الأشباح التي تحيط بك في ذلك الكادر .. لكن الموت مبرمج على توطيد بصمته الذهنية عبر فناء جسد واقعي .. العفوية التي لابد أن تبدو مقصودة في روحك المرتعدة ولكنها هذيانية في حقيقتها .. بصمة لا تستهدف سوى تذكيرك مجددًا بأن حياتك مجرد فوات أوان لما لا يمكن القبض عليه أو إدراكه .. في المقابل ثمة لحظة قادمة محتملة قد يمكنك خلالها أن “تكتب” بضعة كلمات سرابية أخرى مما تعتبرها وصية ضمنية مفتتة .. “دون كورليوني” الكوني والعرض الذي لا يمكنك رفضه.
من كتاب “وهم الحضور” / مذكرات الكادر الضال
يصدر قريبًا