السبت، 14 مارس 2020

التأخّر عن الموعد

كان المطر غزيرًا، ولم يتوقف منذ أمس، وذلك لم يكن يعني بعد ثلاثة وأربعين عامًا سوى أنني لا أريد الوقوف داخل الشرفة ومد كفيّ خارجها لاحتواء قطرات منه، أو مراقبة تلاحقها فوق أرض الشارع، أو تنفس رائحته القديمة .. وراء الباب المغلق ظهر على شاشة هاتفي بثًا مباشرًا لفتاة لا أعرفها، تعيش في نفس مدينة، وتصوّر المطر بنشوة طفولية من شرفة بيتها .. كانت تدمج صوته بـMia & Sebastian's Theme (Late For The Date) - La La Land .. كانت الفتاة جميلة وتصغرني بنحو عشرين عامًا، والشارع الذي يظهر في تصويرها لا تفصله عن بيتي أكثر من دقائق قليلة .. كان البث لا يزال مستمرًا حينما وجدت يدي تفتح باب الشرفة كي أقف داخلها .. فكرت في أنني والفتاة نشاهد نفس المطر في هذه اللحظة، ونستمع إلى الموسيقى ذاتها، ولكن من شرفتين مختلفتين .. مددت كفيّ محتويًا قطرات المطر، مراقبًا تلاحقها فوق أرض الشارع، ومتنفسًا رائحته القديمة .. قلت في نفسي أنني والفتاة أصبحنا نشاهد نفس المطر في هذه اللحظة، ونستمع إلى الموسيقى ذاتها، ومن داخل شرفة واحدة .. كأننا نعوّض لقاءًا مُهدرًا في الماضي، لم نتفق على حدوثه .. كان كل ما عدا ذلك علامات طريقين مختلفين نحو الموت.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 12 مارس 2020