أخذ أخي نظارتها ذات العدستين السميكتين، واحتفظت أختي بعكازها، أما
أنا فعدت إلى بيتي بدفتر قديم من طفولتها، كانت قد كتبت فيه سطورًا قليلة من بداية
حكاية لم تُكملها .. وضعت داخل الدفتر شريطًا ورقيًا مطويًا عدة مرات لرسم القلب
الأخير الذي أجرته قبل دخولها غرفة العمليات .. لم أكن قد تمكنت من النوم بعد
حينما سمعت آخر الليل صوت دقات خافتة تنبعث وراء باب حجرتي .. نهضت في الظلام نحو
الخارج متتبعًا الصوت الذي يزداد وضوحه تدريجيًا .. فتحت درج المكتبة، ورأيت غلاف
الدفتر القديم يرتفع ويهبط بانتظام مع الدقات المتتابعة التي أصبح صوتها واضحًا
تمامًا .. فتحت الدفتر، وأخرجت الشريط الورقي ثم فردت ثنياته الصغيرة .. رأيت خطوط
القلب تتحرك بين يديّ .. أعدت طوي الشريط بحذر كي لا تتوقف الخطوط ثانية، وحينما
وضعته في مكانه داخل الدفتر القديم رأيت سطورًا جديدة قد أضيفت للحكاية .. أغلقت
درج المكتبة على الدفتر الذي يحتوي الشريط الورقي النابض ثم عدت إلى حجرتي .. داخل
الظلام؛ وضعت رأسي فوق الوسادة ثم أغمضت عينيّ وبدأت أفكر في السطور القادمة من
حكاية البنت التي كانت تجلس في شرفتها، ورأت ذات يوم شيئًا غامضًا يضيء في الأفق،
لم يتمكن بصرها الحاد من تبيّنه؛ فقررت أنه إذا استمر عجزها عن رؤيته، سوف تخرج من
بيتها وتجري نحوه لتعرف ماذا يكون.
اللوحة لـ فان جوخ
أنطولوجيا السرد العربي ـ 26 يناير 2019