الاثنين، 19 يونيو 2017

جزء من رواية (إثر حادث أليم) ... تصدر قريبًا

كنا نتقابل في الفناء، ونتحدث ونضحك ونجري ونلعب، وكنا نمشي يوميًا أنا وهي من المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي حتى بيتي الذي يبعد خطوات قليلة ثم أودّعها لتواصل هي السير نحو منزلها .. كانت أمي و(أبلة خلود) يتحدثان عن تزويجنا في المستقبل، وكنت أحبها فعلاً بكامل طفولتي، ثم رأيت (أحمد) ابن (أبلة عايدة) يقف مع (ريهام) ذات يوم في الفناء .. كانا يتحدثان ويضحكان، ولم تمر لحظات قليلة حتى عاد (أحمد) إلى أمه في حجرة المعلمات، وعادت (ريهام) إلى فصلها وأنا أراقبهما .. لم أعرف ترتيبات هذا اللقاء .. هل كان صدفة؟ .. كيف تتكلم (ريهام) إذن مع ولد لا تعرفه؟ .. هل سبق وأن تعرّفت عليه في وقت سابق دون أن أدري؟ .. هل طلبت (أبلة خلود) من (ريهام) أن تكون صديقة له حتى تخفف هي الأخرى ما يثقل صدره المغموم، وأن تشغل ذهنه عن طلاق أبويه لتعيد إلى قلبه البهجة؟ .. في ذلك اليوم سألت (ريهام) أثناء الخطوات المعتادة من المدرسة إلى بيتي عما كان يدور بينها و(أحمد) أثناء وقوفهما معًا في الفناء .. ابتسمت بخجلها الثابت، وقالت لي باقتضاب ناعم (مفيش) .. كأن (أحمد) هو الذي ابتسم، وكأنه هو الذي رد على سؤالي بهذه الكلمة التي أصبحت أكثر كلمات اللغة سفالة .. كأنه هو الذي ألقى بعينيه قنبلة خفية إلى رأسي، ظللت أيامًا طويلة أشعر بدقاتها التنازلية المقبضة، مترقبًا انفجارها المؤكد .. حسنًا .. لقد تحوّل ابن المطلقة إلى نسمة حنونة مع (ريهام)، وهذا سيجعلها مع الشفقة الحتمية تجاه مأساته تميل إليه، وتتعلّق به .. وعاء اللزوجة المبخوت، الذي أهداه طلاق أبويه السحر الغامض للكآبة في ملامحه وصوته .. ثقيل الدم الذي لن يتنازل عن قلة الكلمات، وغياب الابتسامة في اللحظات المناسبة داخل الأحاديث الطويلة، والضحكات القوية بينه وزوجتي القادمة حيث يكمن الإبهار .. قارنت نفسي به .. أنا لا أمتلك كل هذه المعجزات .. هكذا بدأت أفكر مثل (بطوط) وهو يحترق بالغيرة من (محظوظ) في صراعهما غير المتكافئ للفوز بقلب (زيزي) .. أنا حتى لا أمتلك ما يحظى به الأطفال الآخرون الذين ينقصهم هذا السحر .. (ريهام) تعرف هذا جيدًا بالطبع .. تصورت أن (أبلة خلود) ستتخلى عن اتفاقها مع أمي، وتتعاهد هي و(أبلة عايدة) على تزويج (ريهام) من ابنها، لتُسعِد الولد المكلوم والأم المفجوعة .. تخيلت لو أن والديّ تطلقا .. أن يصيب أبي هذا المرض العضوي أو النفسي فينفصل عنا .. هل يمكن أن يعطيني هذا قامة أطول، وملامحًا تعيسة، وصوتًا حزينًا خافتًا، وعينين مهمومتين وحائرتين؟ .. هل يمكنني أن أصبح قليل الكلام، ولا أبتسم أبدًا، وأن أكون في نفس الوقت مسليًا ومضحكًا لـ (ريهام) دون أن يتطلّق أمي وأبي؟ .. كنت خائفًا في تفكيري من خطورة الطلاق على أمي، وإخوتي وأبي، وعلى نفسي بالتأكيد .. لم أكن أتمنى أن تصيبنا هذه الكارثة .. بدأت أفكر في أن (أبلة عايدة) جميلة بالفعل .. استرجعت كل المشاهد التي رأيت فيها بياض وجهها الباكي، وشعرت بأنني أريد أن أتزوجها .. أن جمالها الممتلئ بالدموع يستحق أن أعوّضها عن كل هذه الآلام.