الذين يلتقطون لغتي كأي كلب أجرب .. الذين يرصونها جنب بعضها، أو تحت
بعضها بحسب آخر نص لي .. الذين يواظبون على النشر في موقع، ثم ينتقلون إلى غيره
ورائي كظلٍ مات صاحبه .. الذين يزيدون جرعة البذاءة في كتاباتهم، ويخففونها بناءً
على المزاج الحاضر لوقاحتي .. فرحي بكم يعادل امتناني لامرأة كتبت اسمي موزعاً فوق
حلمتيها، وعانتها.
الذين يقتربون مني، ثم يظنون أنهم اقتربوا كأي كفيف يمشي فوق البحر ..
الذين يعرفونني، ثم يظنون أنهم عرفوا بقدر التنكر الذي أصفع به كل واحد منهم على
مؤخرته الكبيرة .. الذين يشكرون النوم لأنه حوّل اليأس ـ المتاجرة بانتحار لم
ينفذوه بعد ـ إلى حلم يرون فيه أنفسهم في سباق معي .. في منافسة أجلس داخل المدرج
وحدي أتفرج عليها، وأضحك .. أنا مُستخدِم العميان، ومُستعمِل أصحاب المؤخرات
الكبيرة، المتوهجة مع تواصل الصفع .. أنا كابوس النائمين، اليائسين، المتاجرين
بالانتحار .. الذين لا تعني الحياة لهم أكثر من إنكار أنني أُملِي عليهم ما
يكتبونه، وما يُفكرون فيه .. أنت تحرز أهدافاً في نفسك يا عدو الآلهة، ولابد أن
نفسك تضع لولباً جيداً لأنها لم تحبل حتى الآن.
منذ عشرة أعوام تقريباً .. مرتان، أو ثلاث كل سنة؛ أسمع، وأقرأ هذه
الكلمات بصيغ مختلفة: (أنت مختلف .. لا أحد يكتب مثلك .. نصوصك تجعل من كتابات
الآخرين متشابهة، بينما تقف وحدك في منطقة لا يصل إليها غيرك، الفرق بينك، وبينهم
أنهم قريبون دوماً من أماكن التصوير، بل مقيمين فيها، بينما أنت بعيد) .. أسمعها
من قرّاء بالصدفة على مقهى، أو في ندوة، أو داخل مكتبة، وأقرأها عبر رسائل البريد
الإلكتروني، وبريد (الفيس بوك)، وتعليقات المواقع، والمنتديات التي أنشر بها ..
أحياناً تأتيني بنبرة إدانة تصل حد الذهول، والغيظ لكوني (بعيد) .. كل ما أشعر
أحياناً أنه ينقصني، وأنني في أشد الاحتياج إليه يختفي، ويضيع تماماً في هاتين
المرتين، أو الثلاث من كل سنة .. كل شيء عدا تلك الكلمات يصير خائباً، ورخيصاً،
وتافهاً .. أشكركم كثيراً .. أنا أعرف جيداً أن معكم كل الحق.
لابد أن أترك فوضى ما .. خلل في نظام، وعيب في تنسيق .. ليس عن قصد،
وإنما عن تكاسل هو في حقيقته تعمّد لإفساد رونق لا يكتمل إلا بثغرة هنا، أو هناك
.. استجابة تلقائية لرغبة ثابتة في التشويه، وفي عدم الإكمال النموذجي .. كم كتاب،
وكم غلاف كتاب، وكم مدونة، وموقع، وصفحة إنترنت أهملت جرحاً في الجمال الظاهري لخروجهم
إلى العالم، أو ربما تغاضيت عن قبح أكيد، وواضح، وشامل في بعض الأحيان .. كم مرآة
حرصت ـ بديهياً ـ على أن تظل مجروحة، وملوثة .. أمينة في تمرير نسخة من وجهي تعيش
في مخزن الأنقاض، المعروف باللاوعي، أو على الأقل مخلصة في قذف لطشات من روحها على
جدرانكم.
أنا راقصة استربتيز لم تمتلك يوماً مزيلاً لرائحة العيون.
من رواية (الفشل في النوم مع السيدة نون) ـ دار الحضارة 2014