احذروا من فضلكم؛ ما ستشاهدونه لن يكون محتملًا أبدًا. إنه أفظع مشهد يمكن أن تبصرونه في حياتكم على الإطلاق. زوجتي وابنتي الصغيرة! ماذا سأفعل الآن؟
انظروا! حدث كل شيء بسرعة مباغتة لا يمكنني استيعابها. كما ترون؛ كنا نجلس ممددين على السرير لنتناول العشاء ونشاهد التليفزيون. كل شيء كان طبيعيًا وروتينيًا للغاية. ابنتي كانت تجلس في المنتصف كالعادة؛ وجدتها فجأة …
يا إلهي، كيف يمكنني وصف بشاعة الأمر! وجدت ابنتي تمد يدها وتسحب من فوق صينية الطعام هذا السكين الذي تستعمله زوجتي لتقطيع الخبز ثم … لا أصدق أنها فعلت ذلك! غرزته بكل قوتها في صدر أمها. هكذا بلا مقدمات، ودون أن تنطق بأي كلمة. هل يمكنكم تخيل هذا! طفلة في الحادية عشرة من عمرها تقتل أمها بمنتهى العفوية واللامبالاة أثناء تناول العشاء!
كنت على وشك أن أقضم لقمة من ساندويتش الجبن الذي أحمله في يدي عندما رأيت هذا المنظر المروّع. تجمدت الدماء في عروقي، وتصلّب كامل جسدي، ومزقت الصرخة العاتية لزوجتي كل ذرة في داخلي. حتمًا سمعتموها جميعكم بوضوح. كان غريبًا للغاية، وداعمًا لقسوة الفجيعة أيضًا أن هذه الصرخة تطابق تمامًا تلك التي طالما تخيلتها تعيش وتنمو خفية في أعماق زوجتي طوال عمرنا معًا. الصرخة التي ربما منعت نفسها مرارًا من إطلاقها وهي تراقب الطيور من الشرفة كل غروب. اغفروا لي اضطرابي؛ فأنا أكثر الكائنات تجسيدًا للشقاء في هذه اللحظة!
لم أكن أعرف أن هذا الكابوس الوحشي غير المتوقع الذي سيلازمني بقية حياتي لم ينته بعد. رأيت زوجتي أثناء احتضارها ترفع يدها وتنزع السكين من صدرها ثم بآخر ما لديها من حياة تغرزه في صدر ابنتي قبل أن يهمد جسدها تمامًا. لم تصرخ الطفلة كأمها. انفرج فمها المثقل ببقايا الطعام عن تأوه شاحب فحسب، يشبه ذلك الذي كان يمكن أن يصدر منها عند تعثر بسيط أثناء ركضها في حديقة ما وقت المطر. تأوه شاحب مقترن برعشة خاطفة. مجرد ارتجاف ضئيل غادرت معه الأنفاس الأخيرة جسد ابنتي الذي ارتمى فورًا على جانبه ليلتصق دون حركة بجسد زوجتي.
هل يمكنكم تصوّر ذلك!
يجلس أحدكم أمام التليفزيون لتناول العشاء مع أسرته ثم خلال ثلاث ثوان فقط يتحوّل سريره إلى مسلخ صغير، تشاركه فيه دماء جثتين كانتا أقرب البشر إليه وهو عاجز عن فعل أي شيء.
أخبروني أرجوكم؛ كيف يمكنني أن أعيش بعد الآن؟!
لم تكن بينهما أية مشاعر سيئة. هل يمكن أن تكون هناك ضغينة مخبوءة بين أم وطفلتها تؤدي بلا تمهيد إلى هذه النهاية الفادحة؟ إنه أمر لا يمكن لأكثر الأذهان جموحًا أن يستوعبه. كانت علاقتهما في منتهى الوئام والترابط، ولم يكن بالطبع لتلك الجدالات البسيطة أحيانًا أن تقود إلى هذه الكارثة بالغة الفظاعة التي تتمدد أمام عيونكم الآن. أتتم تعرفون بالطبع ما الذي يكون عليه الحال بين أم عصبية قليلًا وابنة صغيرة مدللة تميل في بعض الأوقات للعناد والتطلّب. لا يوجد تفسير مهما كان يقدر على الصمود أمام هذه المأساة الجسيمة دون حد، التي حوّلت حياتي في غمضة عين من الطمأنينة إلى العذاب. هو حتمًا مس شيطاني مجهول أصابهما معًا في لحظة واحدة. لعنة غامضة من الجحيم أفقدتهما الإدراك بشكل مفاجئ وامتلكت إرادتهما كليًا، ومن ثمّ ساقت كلًا منهما لقتل الأخرى. لم أكن أؤمن بمثل هذه الأشياء الغيبية، بل إنني كنت دائم السخرية من أولئك الذين يصدقونها. لكني بعد أن رأيت ما جرى هذه الليلة فإنني على استعداد لقبول كل ما كان يعد خرافة بالنسبة لي. نعم، أي هراء مناف للعقل ومهما كان متماديًا في عبثيته أصبح منطقيًا الآن أمام هذه المجزرة التي ستظل حية وتكرر نفسها في باطني على نحو متواصل حتى اللحظة الأخيرة من عمري.
لن يمكنني بلا شك البقاء في هذه الشقة. ينبغي أن أسرع ببيعها، وأتمنى ألا يعطل ذلك ما شهدته جدرانها في هذه الليلة السوداء. سوف أشتري شقة جديدة، وسيكون من الأفضل حتمًا أن تكون خارج المدينة.
لن أتحمّل بالتأكيد العيش وحدي مع ذكرى هذه المذبحة، ولذلك سأعاود الاتصال بإحدى طالباتي في ورشة القصة القصيرة. الفتاة التي كانت “تقتلني بنعومة” كما غنّى صديقي فرانك سيناترا، والذي استخدمت أغنيته في إخبارها بذلك ذات يوم بصورة غير مباشرة. صحيح أنها تصغرني بعشرين عامًا، وأننا لم نتحدث بأي شكل منذ انتهاء الورشة قبل خمس سنوات، فضلًا عن أنها تزوجت وأنجبت طفلًا قبل عام تقريبًا؛ لكن كل ذلك لن يكون بالأهمية التي يبدو عليها بالنسبة لهذه البنت حين تعرف بالمصيبة التي حدثت لي. أعتقد أنها ستتخلى عن كل شيء من أجلي، ولن تمنعها قيود العالم، مهما كانت، من تحقيق رغبتها في أن تعيش معي أيامي الأخيرة. ستكون هذه الأيام فرصة مناسبة بالضرورة لأن أواصل تدريبها على كتابة القصة القصيرة بالكيفية التي لم يسمح بها زمن الورشة القديمة.
لماذا تنظرون لي هكذا؟!
الصورة لـ joel peter witkin