الاثنين، 13 ديسمبر 2021

حافة الشرفة

بينما كانوا يقتربون من ذلك البيت قبل أعوام أطول مما يمكن استيعابها؛ خلقت خطواتهم طفلًا غير مرئي، لا يمكن لأحد أن يسمعه أو يلمس جسده ولو بمحض الصدفة .. لم يكن لديهم علم بوجوده، ولكنه قضى كل تلك السنوات معهم، متشبثًا طوال الوقت بحافة الشرفة، يتأرجح جسده في فضاء الشارع، ولا يعطي إشارة عن نفسه أكثر من تلك الأنفاس بالغة الخفوت التي يشعر بها أحيانًا أي منهم حين يقف في الشرفة لسبب ما، فيظنها جزءً من ريح العالم .. حينما بدأوا يغادرون البيت واحدًا إثر الآخر؛ بدأ فضاء الشارع يُظلم تدريجيًا حتى انتهى إلى عتمة تامة مع اكتمال غيابهم .. حينئذ أدرك أن جسده لم يكن معلقًا في فضاء الشارع، وإنما كان مدفونًا في أرضه حيث يمر العابرون فوق خفائها، وأن حافة الشرفة التي ظل يتشبث بها طوال عمره لم تكن إلا خليطًا سائلًا من العظام المطحونة لأولئك الذين عاش معهم وكان يظنهم لا يعلمون شيئًا عن وجوده. 

أنطولوجيا السرد العربي ـ 13 ديسمبر 2021