الجمعة، 13 يوليو 2018

الأسماك الميتة

كان في الحوض سمكات كثيرة، لا أتذكر عددها بدقة، وكانت تموت بوتيرة متلاحقة .. لم يكن الفرق بين موت سمكة وأخرى يتجاوز أيامًا قليلة .. أحيانًا ثلاثة، وأحيانًا خمسة، وأحيانًا أسبوع كامل في أفضل الأحوال .. كان الأمر محزنًا بالتأكيد؛ فعلى الرغم من بذلنا للجهود الممكنة من أجل رعاية هذه الأسماك والحفاظ عليها، ودون تقصير في الالتزام بالتعليمات والنصائح كافة، إلا أننا ظللنا عاجزين عن إيقاف الموت داخل ذلك الصندوق الزجاجي .. لكن الحزن رغم قوته البديهية لم يمنعنا من اللعب بهذا الموت .. كنا نتراهن على أي سمكة سيأتي الدور على خروجها كجثة ضئيلة ملونة من الحوض كي تُدفن داخل الأصيص الذي أصبح مقبرة طينية مخصصة لذلك فوق سور البلكونة .. كان الدفن دليلًا متوقعًا على احترامنا لهذه الكائنات الصغيرة، وبالطبع على شعورنا بالأسى جرّاء فقدانهم؛ إذ لم نكن من نوعية البشر الذين يلقون بأسماكهم الميتة في بالوعة المرحاض أو سلة القمامة ..  كانت اللعبة مسلية حقًا نظرًا لصعوبتها البالغة؛ فالسمكة التي على وشك الموت لا تبدو عليها أية أعراض مرضية بل على العكس تظهر بصورة طبيعية ونشطة للغاية إلى أن تصيبها فجأة علامات الاحتضار المتسارعة قبل أن ترقد هامدة تمامًا في قاع الحوض، وكان هذا يضاعف استفزازنا، ويعزز متعتنا .. في النهاية تبقت سمكة واحدة .. سمكة واحدة ظلت تعوم وحدها في الحوض وتنظر إلينا .. تنظر إلينا كأنها تعرف .. كان في عينيها المحدقتين ما هو أكثر من توسل لأن نفعل شيئًا استثنائيًا مبهمًا لا يخرجها من الماء ويذهب بها إلى أصيص الطين .. كنا نظن أن اللعبة قد انتهت، ولكننا أدركنا أن ثمة ختامًا آخر لها .. أصبح كل منا يتسلل بعيدًا عن الآخرين كي يقف أمام السمكة ويتأملها وحده .. ذلك الاختلاس الفردي لمراقبة لحظات ما قبل الهلاك كان الجزء الأخير من اللعبة .. بعد موت السمكة ودفنها كان من المنطقي أن نقرر بشكل حاسم عدم التفكير في تربية الأسماك مرة أخرى .. لا شك أنه من المؤلم أن تتمسك طفلتي الحزينة ـ رغم استمرار نفينا القاطع ـ بتصديق احتمال أن ينبت من طين الأصيص زرع تثمر غصونه الأسماك الميتة، بنفس ألوانها، وقد استردت الحياة مرة أخرى، الأمر الذي يستوجب حينئذ انتزاعها فورًا لإعادتها إلى الحوض المهجور .. ربما الأكثر ألمًا أنني وزوجتي منذ موت السمكة الأخيرة نحرص على سقي الطين كل يوم.
موقع "قاب قوسين" ـ 10 يوليو 2018
الصورة لـ Roberto Pireddu