الثلاثاء، 17 أبريل 2018

ست وعشرون عينًا في ورشة ممدوح رزق


أحمد أبو الخير 
في خلال آخر عشر سنوات تقريبًا، انتشرت فكرة الورش الابداعية بشكل مكثف، حيث فيها تعليم أو تنظيم العمل لكِتابة رواية، هدم الأصنام المُتعارف عليها حول عادات الكِتابة التي تحصر المؤلف داخل زاوية بائسة، أو مثلاً فك شفرات القصة القصيرة ومعرفة أصولها ومدى أهمية التكثيف عند كِتابتها، بمرور الوقت اتسع الأمر ليشمل تعليم السيناريو وأصول المسرح ومن قبلها بكُل تأكيد التمثيل، للدرجة التي صار حتميًا معها دراسة هذه الظاهرة، ومعرفة أصلها من فرعها، ومدى الإنتاجية المثمرة – لا المهدرة – التي تخرج منها.
الروائي والمترجم محمد عبد النبي له تجربة في تنفيذ الورش الأدبية حيث كان يٌشرف منذ عام 2009م بنفسه عليها، ثم جمع هذه التجربة في كِتابه “الحكاية وما فيها” الصادر عن مؤسسة هنداوي، حيث يقول في مستهل الكِتاب “كل ما تفعله الورش الأدبية، وكل ما يحاول هذا الكِتاب أن يُقدمه، هو التشجيع على العمل والانتاج في إطار مُنظم، بعيدًا عن أهواء المُبدع ونزق تجلياته وتقلباته، واستسلامه لأوهام الوحي وانتظار الإلهام.”
انتهي كلام عبد النبي.
ولا يزال – إلى اللحظة الحالية – الصراع دائرًا حول ما تفرزه هذه الورش، والآراء المنقسمة – في تطرف أحيانًا – حول ماهية هذه الورش وهل ما تٌخرجه فعلاً هم مبدعون؟ أم مُجرد مُدعي ثقافة، كُتاب (نص كم) سيعملون على إصدار ضوضاء وصريخ في سوق النشر؟.
ولكن في الأسواق الأدبية الخارجية، الورش هي أمر مُعترف به، بل وإنّ المبدعين الخارجين منه يحظون باعترافات في المحافل وفي الجوائز الدولية، مثلاً المغربية ليلي سليماني الفائزة بجائزة الجونكور، خريجة ورشة كِتابة تابعة لأشهر دار نشر فرنسية، دار غاليمار. فالأمر هنالك – في السوق الأوربية والأمريكية كذلك- معترف به، ويفرز مبدعون، ولكن بالطبع هناك معارضون.
ومن الورش الأدبية التي أقيمت مؤخرًا، وداخل إحدى المُدن بعيدًا عن القاهرة، وما يدور حولها من مركزية ونحوه والاستئثار التام بالحصيلة، وأن القاهرة هي أصل كل شيء، ومن عندها يبدأ كُل شيء، ورشة لكتابة القصة القصيرة أقامها الناقد والروائي والقاص ممدوح رزق في مدينة المنصورة داخل مركز أركادا المُهتم بالجانب الأدبي والثقافي.
وبعد أيام قليلة يحتفل هو والمتخرجون من الورشة بإصدار كِتاب إلكتروني تحت عنوان”ست وعشرون عينًا على الجسر” يضمن القصص التي كتبها المُتدربون خلال فترة الورشة التي امتدت لقرابة شهرين من بداية سبتمبر حتى نهاية أغسطس من عام 2017م، وبسؤاله عن اختياره لهذا الاسم قال:
هذا الاسم نبع من المُتدربين أنفسهم، فالعنوان دليل على عيون الكُتاب الثلاثة عشر في المجموعة، أما الجسر فهو مفترق الطرق في قصة”رجل عجوز على الجسر” لإرنست هيمنجواي، والتي كانت المادة الأولى في الورشة، ومن خلالها أدركت هذه العيون ضرورة أن تظل مراقبًا للجسر أينما وُجِد لاكتشاف القصة التي تدور فوقه.”
استمرت الورشة شهرين مُتتالين، فهل كانت فترة كافية ليستطع المُتدرب أن يستقي كافة الخبرات لكتابة القصة القصيرة؟ وهذا السؤال توجهنا به إلى إحدى المُتدربات، سارة طوبار، فقالت:
لا أعتقد أنني استطعت أن أجمع داخل جٌعبتي كُل الخبرات، ولكن الورشة كانت نافذة مُختلفة لكتابة وقراءة القصة القصيرة، مساحة لتلقي رؤية جديدة، تبادل خبرات وتجارب مُتنوعة، مساحة للابداع والتحرر من الشكل التقليدي للقصة القصيرة. فكلمة كُل الخبرات بكُل تأكيد – وأنا مُرتاحة- أقول أنّها تحتاج وقت أطول.”
الورشة بشكل عام تخضع لقانون التأثير والتأثر، العلاقة المباشرة التي تمتد قرابة الشهرين بين المُتدرب والمدرب لابد أن تنتج شيئًا، عند المُتدرب تُنتج تعلم، تنظيم، ترتيب الأوراق المبعثرة، ولكن ماذا تفعل عند المدرب؟، يُخبرنا ممدوح رزق”لقد حصلت على استفادات كثيرة، وضمن مستويات مُختلفة يصعب حصرها، منها مثلاً اكتشافي لنفسي داخل هذا الاطار الممتع. التعرف على تأثيرات تجربتي الشخصية على الآخرين، وبكُل تأكيد استلهام العلاقات المُمكنة بين ما يُنتج عن هذا الاكتشاف وحياتي ككاتب.”

ويبدو أن المنصورة كانت إحدى محطات الانطلاق للناقد ممدوح رزق، حيث أنّه يسير حاليًا في خطوات الاعداد لورشة خاصة بالقصة القصيرة ليٌشرف عليها في القاهرة، وسيتحدد موعدها قريبًا، بل ويفكر في إقامة ورشة خاصة بالنقد الأدبي في المنصورة ولكن “ما أفكر فيه حاليًا هو تكرار نجاح ورشة القصة القصيرة في مكان آخر. لتأكيد على أن السبب الرئيسي في النجاح هم كُتاب الورشة الذين سعدت وتشرفت بالعمل معهم على مدار شهرين متصلين. وهم مُتدربون مخلصون وعلى المستوى الإنساني من أرقي وأجمل البشر الذين عرفتهم.”
وسألنا القاصة والمُترجمة نداء الحلوجي عن تجربتها الذاتية داخل الورشة فقالت:
إذا أردت الحديث عن الورشة، فلن أجد أفضل من تلك اللحظة التي انفجرت فيها فكرة ما في رأسي، ومضيت أكتبها بكل سهولة، لأنطلق منها وبسببها. ومنذ بدأت الكِتابة في سن صغيرة، لم أكتب ولو مرة واحدة بنفس السهولة التي شهدتها في الورشة، دومًا كنت خائفة أو مُرهقة أو تائهة. وعلى مدار الورشة لم تصبني أي من كُل هذا إلا بنسب لا تّذكر مقارنة بالماضي. الفضل يعود للأستاذ ممدوح الذي كان يعمل على إزالة الحدود والحواجز لننطلق، يضع بين أيدينا المساعدات ويشدد على عدم خوفنا.
أذكر مثلاً في إحدى المرات، طلب منا إعادة كِتابة قصة لكاتب كبير، برؤيتنا الخاصة. عُدت للمنزل وفكرت في الأمر، امتلاك القدرة على إعادة تشكيل ما لا يعجبني، وإخضاعه لرؤيتي أنا، فهذا أمر غريب، ولكنني مضيت أكتب، وبما يُناسبني ويناسب عالمي الخاص. استطاع الأستاذ ممدوح أن يفتح لي بابًا لم أتجرأ على الاقتراب منه. هذا ما فعله معنا –ومعي تحديدًا- أنّه نزع عني الخوف.
أذكر في حفل التخرج، ويوم الختام، أخبرته بأنني لن أسمح مجددًا بأن يُخبرني أي أحد مهما كان بأنني لا أستطيع الكِتابة، لحظتها تغيرت ملامحه للجدية التامة مشوبة ببعض الاستنكار، وطلب مني ألا أسمح بهذا. نظرته تلك هي تلخيص للورشة. هو آمن بنا جميعًا، حتى في أقل لحظات إبداعنا، فجعلنا نؤمن بأنفسنا.”
أما نُورهان البدوي لخصت تجربتها داخل الورشة عبارة واحدة فقالت:
لما احتضنت القلم لأول مرة في ورشة القصة، أدركت أنني لن أشعر بالوحدة والعجز مرة أخرى.”
بوابة "كُتب وكتّاب"ـ 16 إبريل 2018