الخميس، 25 يناير 2018

مكان بعيد لا يجب مغادرته

أكتب نوڨيلا اسمها (رجل مضحك، يجلس في الظلام ويشاهد الماضي).
سأعيد (دوستويفسكي) إلى الحياة
وأقوده لكتابة (حلم رجل مضحك) بطريقة أخرى.
سأكون أنا الرجل المضحك
الذي يحكي قصة اللجلجة التي تنتقل من الجسد إلى النص فيظل (مسودّة)
أما الطفلة المستنجدة واليائسة فستكون ابنتي
وبالطبع لن تصرخ: (أمي .. أمي الحبيبة)
بل ستسألني بعتاب مألوف: (أبي .. لماذا أطلقت ضراطًا ثانية؟).
أعطيت احتمالات محددة لليقين الذي ستكوّنه طفلتي
حينما تقرأني بعد عشر سنوات أو أكثر
مجنون .. مُنحل .. بائس لم يكن ينبغي أن يعيش بعد عام 1989
لن تذكر شيئًا عن الحرب أو الخراء أو المرايا المفتتة
لأنه لم يكن هناك بالفعل حرب أو خراء أو مرايا مفتتة
هناك عجوز دائم السرقة بعينيه
يتظاهر أنه لص حقيقي
رغم نظرته الثابتة التي لا تأكل إلا نفسها.
لن تذكر شيئًا عن الدماء
التي كانت تسيل من ضحكاتي
وهي تدغدغدني كل مساء قبل النوم.
لكنني أتمنى أن أنجح في خداعها
قبل أن ترفع خنصرها الضئيل في وجهي للأبد.
ربما أجعلها تحب (كافكا) أولا:
"ليس من الضروري أن تخرج من بيتك. لازم طاولتك واصغ. بل دع الإصغاء واكتف بالانتظار. بل دع الانتظار واكتف بالعزلة، فالعالم سيحضر واهبًا نفسه إليك، كي ترفع عنه أقنعته، ومنتشيًا سيتلوّى أمامك". 
 أو (كيركيجور):
"ليس لي إلا صديق واحد فحسب ذلك هو الصدى .. ولِمَ كان الصدى صديقي؟ لأني أحب آلامي وهو لا يسلبني إياها .. وليس لي سوى شخص واحد أودعه سري:  ذلك هو صمت الليل! ولِمَ كان مستودع سري؟! لأنه يصمت!".
وربما (بودلير):
"ـ آه من تحب إذن، يا أعجب الغرباء؟ ...
ـ أحب الغيوم .. الغيوم التي تعبر .. هناك .. هنالك .. تلك الغيوم الساحرة!".
...
ربما يستطيع عواء أي منهم أن يسحب ابنتي
إلى تلك الصدوع المختبئة في الهواء
فتجدني مقيمًا هناك
كشبح سقطت أشلاؤه من فم أبيها
وهو يلعق بدقات قلبه
الفرج المسدود لساعة الحائط
التي يملأ شعر عانتها الخيال
قبل أن تتكفل العتمة بتجميعه.
نعم يا حبيبتي
ستقدرين على الجلوس فوق فخذيّ الشبحيتين مثلما تحبين
وسيمكنك أيضًا أن تعطيني القبلة المعتادة في خدي الشبحي
ـ سنستطيع أن (نتشبث) في البرد أيضًا ـ
وستظلين كما أنتِ
الحلم الشهواني
العابر في سلالة الاستعراضيين
مواصلا التلفت في مكانه.
الروح الشريرة التي بترت أطرافي
مدمنة الاغتصاب من حسن الظن.
الإثم الأعظم
الذي حوّلني إلى صورة منتحرة لجميع الآلهة. 
ستحتفظ المتعة المتفاخرة بجسدي
وأنا أراقب كوابيسي التي مرت إلى دمائك
وهي تنمو كنسخة كارتونية
من الملل الذي أصبح مرعبًا
بعد أن كان مجرد رعب ممل.
الكوابيس التي كان يمكن أن تنتهي
بمجرد التوقف عن التفكير في نفسي
كمركز معطّل لهلاوس العالم.
سنواصل الحكي عن غموض المدن
عن التماهي الصامت مع الظلال القديمة
عن استمناء الشيطان للتراجيديا
عن التلصص على النسيان
الذي قد ينقذ مصيرنا.
ربما ستحبين (سيوران) أيضًا:
"إذا كان الإنسان يفرض على نفسه الإيمان بأشياء معينة، فهذا فقط لكي لا يقتل نفسه. لأن الانتحارهو النتيجةُ المنطقيةُ لحقيقة أن لا شيء يصمد أمام تحليلٍ صارم، أو تفكيرٍ قاس. من الغريبِ جدًا أن أكون قد تحدثت بهذا القدر عنِ الانتحار، أنا الذي أحب الحياة كأي شخص آخر، بل أكثر من أي شخص آخر".
أو (ريتسوس):
"رفضني الجميع
ورفضتُ كل شيء
وكل ما أحببت
أخذه مني الجنون والموت".
وربما (هنري ميللر):
"الشرط الوحيد الذي كنت أهتم لوجوده في أصدقائي، مهما كانت الطبقة التي ينتمون إليها أو مهما كان وضعهم في الحياة، هو أن أكون قادرًا على الحديث معهم بكل صدق .. إذا لم أنجح في فعل هذا، كنت أتخلص منهم".
...
ستفكرين معي في أن كل طفل يُرسَم
يعود إلى الرحم بطريقة ما
أو القبر البدائي كما سنسميه
سأشرح لكِ أن الكلمات مطاردات سرية
بين الغيوم والجدران
وأن الألوان رجاءات فكاهية
تراقب تبددها
في حكمة الضباب.
وحينما تسألينني عما إذا كان للعزلة ثديان كبيران
سأعرف أنك لا تقصدين تلك النائمة كقطة صغيرة فوق الطاولة
أو المغلقة بالأبواب والنوافذ في الليل
أو العائمة داخل السُحب الكثيفة
التي تُحرّكها الرجفات المختبئة قبل الغروب
بل التي يكتمها الشبق
وراء الضحكات غير المبررة.
photo by Sunhi Mang