الثلاثاء، 25 أكتوبر 2022

ممدوح رزق: التحقيق البوليسي جانب أساسي من حياة الناقد


 حوار: إبراهيم السعيد

قبل شهور قليلة صدر كتاب “دكتور باركمان ومستر ويبستر ـ كيف نقل ستيفنسون القضية من بوسطن إلى لندن” وقدم فيه الناقد المصري ممدوح رزق اكتشافه للأصل الواقعي لرواية روبرت لويس ستيفنسون الأشهر “القضية الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد”، والمتمثل في واقعة مقتل دكتور جورج باركمان بيد صديقه دكتور جون ويبستر داخل كلية الطب بجامعة هارفارد عام 1849 . وصف ممدوح رزق هذا الكتاب الذي رشحته مؤسسة أبجد بالعراق لجائزة الشيخ زايد هذا العام بأنه “جوهرة التاج لمشروعه النقدي”. عن الكتاب والرواية والقضية كان هذا الحوار:

حدّثنا أولاً عن علاقتك برواية “القضية الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد”؟

رواية “دكتور جيكل ومستر هايد” هي إحدى جنيات الأحلام الأدبية في طفولتي. قرأتها في المرحلة الابتدائية بترجمة “مختار السويفي” ضمن سلسلة روائع الأدب العالمي للناشئين، إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب. ومنذ ذلك الوقت المبكر وحتى الآن أعاود قراءتها في طبعات مختلفة من حين لآخر. لكن لا تزال نسختي الطفولية ذات القطع الصغير، بصورة غلافها وتكوين حروفها ورسوماتها الداخلية وملمس أوراقها هي الأثيرة بالنسبة لي.

أثناء قراءة الكتاب شعرت بأنني إزاء محقق بوليسي وليس فقط ناقدًا أدبيًا. كيف تفسر ذلك؟

كنت محققًا بالفعل طوال مراحل العمل في هذا الكتاب. التحقيق البوليسي بالنسبة لي جانب أساسي من حياة الناقد الأدبي. كنت أقتنص الأدلة الكاشفة من بين المعلومات المتوفرة وتحليلها كأنني روبرت لويس ستيفنسون وهو يعيد تمثيل جريمة قتل دكتور جون ويبستر لصديقه دكتور جورج باركمان في القرن التاسع عشر. كيف يستعمل ويتلاعب بالشخصيات والأحداث والانفعالات والأماكن والأدوات والظهور والاختفاء في إعادة سرد الواقعة التاريخية كما لو أنه مدبرها الأصلي.

أعتقد أن ثمة رؤية فلسفية أيضًا تقف وراء استخدام ستيفنسون لعناصر القضية بهذا الشكل؟

لأن الموضوع الفلسفي للرواية هو ما يحدد الكيفية التي استخدمها ستيفنسون في تشريح القضية الواقعية وتوظيف عناصرها لخلقها أدبيًا من جديد. الرؤية في حالة “دكتور جيكل ومستر هايد” لا تقف وراء طبيعة اللغة أو أداءات الأسلوب أو تنظيم الخطاب فحسب، وإنما أيضًا رسم الملامح وأفعال الشخصيات وحركة الماديات وما إلى ذلك. البصيرة عند مقاربتها حدثًا تاريخيًا لا تنتج صياغة فقط، وإنما تخطيطًا لكل ما هو حسي كذلك.

من ضمن ما نُشر عن الكتاب تقرير يتساءل إذا كان هو الكشف الأدبي الأهم في العقود الأخيرة. كيف ترى هذا؟

هو كذلك بالفعل، وإذا كانت التصورات التي أشرت إليها وتناولتها الدراسة قد اكتسبت سلطة التجذر ومن ثمّ الاستدعاء العفوي داخل المتون النقدية والدوائر النقاشية حول الرواية؛ فإن كتابي “دكتور باركمان ومستر ويبستر” قد تكفّل بتفكيكها، وإزاحة هيمنتها لصالح وثيقة دامغة لا يصمد أمامها أي احتمال.

حدثنا عن دور المواد الفنية “الرسوم والوثائق الفيلمية” في دراستك؟

رسوم الرواية والقضية، وكذلك المواد الفيلمية لهما كانت داعمة لأدلة هذا الاكتشاف، بل وكانت أدلة في حد ذاتها لإثباته سواء على مستوى ملامح الشخصيات وتكويناتها الجسدية وأداءاتها وانفعالاتها المختلفة، وكذلك مخططات الأماكن في هيئاتها الخارجية أو مساحاتها الداخلية.

كم استغرق العمل في الكتاب؟

استغرق ما يقرب من خمس سنوات بين البحث في المصادر والترجمة والكتابة، وطوال هذه المدة لم أتحدث عن الدراسة سوى لقليل من المقربين. كنت كلما عثرت على دليل جديد يثبت هذا الاكتشاف ازدادت رغبتي في الإعلان عنه، ولكن في النهاية نُشرت الدراسة في الموعد الذي قررته بنفسها، ومن خلال مؤسسة كان شرفًا لي أن تتولى إصدار الكتاب، وهي مؤسسة أبجد، والتي أحمل دائمًا اعتزازًا واحترامًا لرئيسها الشاعر والمترجم أ. حسين نهابة.

هل تعتقد أن صدور دراسة كهذه داخل المجتمع الثقافي العربي قد يحرمها من عدالة مستحقة؟

بالطبع، خاصة حينما يكون الناقد منعزلًا مثلي عن الحياة الثقافية، ليس مرتبطًا بجماعة أو شلة، ولا يمتلك صداقات، أو حتى لديه أبسط أنواع التواصل الاجتماعي مع أحد داخل هذا الوسط الذي يجابه ما هو استثنائي وغير مسبوق حقًا لفائدة التوطيد العفوي والاحتفاء التزييفي المعتاد بما هو مركزي.

…………….

دورية (المساكن) الأدبية

أكتوبر 2022