السبت، 1 أكتوبر 2022

العوّامة

هناك نساء يمتن إذا ما هُدمت البيوت التي قضين أعمارهن فيها .. هناك من يصبن بالجنون أو بعلة جسدية لا شفاء منها .. أنا لست واحدة من هؤلاء .. ليس لأنني قضيت عمري في عوّامة فحسب .. لكن لأنك معي الآن في هذه اللحظات الأخيرة من حياة مسكني القديم على النهر .. لأنك أنت بالذات الذي تشاركني هذه اللحظات داخل العوّامة العجوز .. أنت الغريب المكلّف بالإشراف على عملية الهدم .. الذي – بعد وقت طويل من الصدمة والسخرية والتفكير والتردد والحرص – استجبت لآخر أمنيات امرأة تجاوزت السبعين على وشك أن تغادر عوّامتها قبل أن تتحوّل إلى أنقاض.

أغلقت الباب والنوافذ وتركت الجميع ينتظرونك في الخارج بدعوى (إتمام الإجراءات النهائية) ثم بدأت العوّامة في الاهتزاز .. رعشات منتشية لا يشعر بها إلا ما بداخلها فقط .. هذه ليست رقصتها الأخيرة، ولكنها – بما أنه وقت الوداع – الرقصة الأولى .. الرقصة الوحيدة .. هناك نساء إذا ما هُدمت البيوت التي قضين أعمارهن فيها لا يتذكرن أي شيء أكثر من موجات واهنة .. مجرد موجات واهنة تتدفق بشكل متلاحق ودون توقف حتى تختفي في عتمة بعيدة.