الثلاثاء، 16 أغسطس 2022

غطاء أبيض

ترى الواحدة منا تسير وحدها، وتحمل كيسًا أسود .. نحن اللاتي تجاوزن الخمسين، لا تلفت دمامة الست منهن ولا بدانتها المترهلة انتباه أحد .. المرتميات في الشوارع بتجاعيد ذابلة وملابس قديمة وأحذية بالية .. لكن تعرف .. ربما يتوقف أحدهم ولو للحظة خاطفة أمام عيونهن المتحجرة، وربما يسأل نفسه دون تركيز كامل عما بداخل الكيس الأسود الذي تحمله كل منا .. أنت متأكد طبعًا من أننا كثيرات للغاية، وأننا قادمات من البيوت الفقيرة في الحارات والقرى .. هذا صحيح ولكنه آخر معرفتك .. المدينة بالنسبة لنا هي قضبان فقط .. كل رجل يسلمنا لآخر .. ندور بين الشقق وحجرات الأسطح والمحلات والمكاتب والسيارات وحمامات المساجد والعمارات تحت الإنشاء كموظفات سريات في مصلحة المساحة .. سأزيدك علمًا .. هؤلاء يضاجعوننا دون مقابل .. نحن يجب أن نضاجَع فحسب .. يجب أن نُمتع المسرتنين على الإنترنت أحيانًا، الذين لم نصل إليهم في الواقع، ونعرف جيدًا أنهم يتضايقون بشدة من رداءة الصورة وتطوّح الهاتف المحمول في يد النائك .. هؤلاء يظنون أن السبب الذي يدفع بعضنا لمحاولة إخفاء وجوههن أثناء التصوير هو تحاشي الفضيحة .. أي فضيحة؟! .. نحن حريصات على ألا تفسد ملامحنا الدميمة استمتاعكم بالفرجة والتخيل .. ملامحنا التي ينبغي علي كل منكم أن يقطع عضوه لو ظل منتصبًا بعد رؤيتها .. علينا أن نمر في الشوارع لنعطي الشبابيك والبلكونات الجمال اللازم .. ليس هناك في العالم ما يجعل الشبابيك والبلكونات جميلة ـ مهما كان قبحها ـ أكثر من امرأة دميمة وبدينة، تجاوزت الخمسين، وذاهبة أو عائدة من النيك .. لكن مرورنا في الشوارع ليس لمجرد الذهاب والعودة .. الواحدة منا تخفي وراء عينيها المتحجرتين ضوء كشاف صغير، تتحرك به فوق أجسامكم .. تحاول توقع اللحظة المفاجئة التي سيشعر فيها أحدكم بدوار أو تعب أو ألم .. بإشارات مرض لن ينجح تجاهله أو معالجته .. سأزيدك علمًا مرة أخرى .. ليس في الأمر أي شعور بالكراهية أو بالرغبة في الانتقام .. نحن فقط مشغولات ـ ربما أكثر من غيرنا ـ برصد هذه الإشارة الحتمية التي تُمهد للموت .. والآن، إن كنت مهتمًا، سأتركك لتحاول وحدك استنتاج ما الذي بداخل الكيس الأسود الذي تمسكه كل واحدة منا في يدها دائمًا.