الجمعة، 15 فبراير 2019

أن تتناول الغرابة كحقيقة عادية

لنقرأ قصة "وبر الكلب" لليديا ديفيس، بترجمة أماني لازار:
"مات الكلب. نحن نفتقده. عندما يرنّ جرس الباب، ما من أحد ينبح. عندما نصل إلى البيت متأخرين، ليس هناك من أحد في انتظارنا. لا نزال نجد وَبَره الأبيض هنا وهناك في أرجاء المنزل، وعلى ثيابنا. نلتقطه. علينا أن نتخلَّص منه. لكنه كل ما بقي لنا منه. نحن لم نرمِه. لدينا أمل جامح؛ أنه إذا ما جمعنا قَدْراً كافياً منه، سنكون قادرين على استعادة الكلب من جديد".
ماذا لو قرأنا هذه القصة هكذا:
"مات الكلب. عندما يرّن جرس الباب، ما من أحد ينبح. عندما نصل إلى البيت متأخرين، ليس هناك من أحد في انتظارنا. لا نزال نجد وبره الأبيض هنا وهناك في أرجاء المنزل، وعلى ثيابنا. نحن لم نرمِه، لأنه إذا ما جمعنا قدرًا كافيًا منه، سنكون قادرين على استعادة الكلب من جديد".
كل ما فعلته أنني حذفت: "نحن نفتقده ـ نلتقطه ـ علينا أن نتخلص منه ـ لكنه كل ما بقي لنا منه ـ لدينا أمل جامح"، بالإضافة إلى تعديل العبارة الأخيرة بما يتناسب مع هذا الحذف "لأنه إذا ما جمعنا قدًرا كافيًا منه، سنكون قادرين على استعادة الكلب من جديد".
ما الفرق بين القصتين؟
في قصة ليديا ديفيس هناك شعور مكشوف بالافتقاد .. استيعاب لمنطق التخلص من وبر الكلب، وأن تجميع هذا الوبر هو فعل معادٍ لهذا المنطق .. هناك وعي بأن استعادة الكلب بواسطة تجميع الوبر تُمثّل رجاءًا غير معقول، وبالضرورة ينطوي على استحالة تحققه، ومع هذا لابد من التمسّك به.
في القصة الثانية ليس هناك إعلان للافتقاد، ذلك لأن الذين فقدوا كلبهم يعرفون جيدًا ما عليهم فعله .. سيجمعون الوبر الذي سيمكّنهم حتمًا من استعادة الكلب ثانية.
إنه الفرق بين إخضاع العاطفة للتعبير التقليدي، الذي يتأمل هواجسه الخارجة عن المألوف باعتبارها جنونًا قهريًا عند الاستجابة لإلحاحها، وبين التعامل مع هذا الجنون باعتباره أمرًا بديهيًا لا يحتمل صوابه الشك .. هنا لا يتم التعامل مع الموت كشيء محسوم، بل حالة مؤقتة، ليس هناك مبرر لتصديق أبديتها؛ إذ أن ثمة وسيلة مؤكدة لإنهاء هذا الحضور العابر للغياب .. هكذا لا يتحدث الآخرون عن الفقد ـ حيث الذات البشرية التي تريد استرداد حياة أخرى لها من الموت بواسطة وبر الكلب ـ بل إن الفقد نفسه هو الذي يتحدث عن فداحته من خلال أولئك الذين لا يمكنهم الاعتراف به.
تعامل مع الغرابة كطبيعة عفوية، لا تحتاج لتقديم أسبابها .. كنظام خاص من المسلّمات الواثقة في صحة دوافعها ونتائجها .. هكذا تتحوّل الأفكار والمشاعر المعهودة من جروح ذاتية، تجمح أحيانًا إلى كوابيس مطلقة، تنتهك نفسها.