الأحد، 15 أكتوبر 2017

أبوية القارئ (1)

هناك عدة صفحات يمكن اعتبارها الركائز الأساسية لموقع جودريدز: الصفحة الرئيسية التي تعرض أنشطة المشاركين بتسلسل زمني .. الصفحة الشخصية التي توثق فاعلية المستخدم: تقييماته للكتب ومراجعاته وتدويناته ... إلخ .. صفحة الكتاب التي تحمل معطيات عديدة مثل الغلاف والنبذة وعدد الصفحات ودار النشر واللغة والتعريف بالكاتب وبإصداراته الأخرى والاقتباسات وذلك على هامش المحتوى الرئيسي الذي يتضمن مراجعات القراء وتقييماتهم بالنجوم، والتي تتحكم تلقائيًا في التقييم الكلي للكتاب الذي يتصدر الصفحة.
هذا النظام الذي يعمل به موقع جودريدز يختلف عن نظام آخر:
ألا تكون هناك صفحة للكتاب بل يظل موقف القارئ منه (التقييم والمراجعة) داخل مساحته الخاصة (الصفحة الشخصية) بالضبط كما لو أنك نشرت غلافًا لرواية في صفحتك على فيسبوك مقترنًا بمراجعتك لها دون أن تنتقل هذه المراجعة إلى فضاء عام يتكوّن من تقييمات قراء آخرين.
ما الفرق بين النظامين؟
يقوم النظام الأول الذي يعمل به جودريدز على إعطاء (حقيقة) للكتاب من خلال انحيازات قرائه، وهذا يفترض أن الكتاب لا يمتلك هوية دائمة التجاوز، وإنما هو شيء نفعي، مؤطر بحدود ثابتة في وعي جامد، ولا تتحدد (قيمته) إلا وفقًا لأحكام مستعمليه، التي بدورها غير قابلة للتراجع أو التحوّل أو لإعادة الإنتاج وإنما تمثل خط نهاية محصن للعلاقة القرائية .. هذه الحصيلة المؤلفة من توافقات القراء واختلافاتهم تجاه الكتاب هي وحدها يقينه المقدس الذي لا سبيل للتفاوض معه.
أما النظام الثاني (الذي لا يستخدمه جودريدز لأنه يتعارض مع السلطة التي يعطيها الموقع وحدها الحق في تكوين الحقيقة أو المعنى النهائي) فهو الذي يوفر للقارئ مساحته الذاتية التي تنمو بداخلها مواقفه التأويلية المتغيرة غير قابلة للسيطرة، ولا يمكن منحها الثقة الكاملة من حيث كونها القرار الأخير القاطع، ولا يضمنها القارئ نفسه. هو نظام أكثر تفهمًا لما يعنيه (الموقف الخاص للقارئ)، أي أنه يخلق (المساحة الإبداعية المستقلة الموازية للكتاب التي ينبغي أن يمتلكها القارئ مثلما كان للمؤلف نفس المساحة عند كتابة النص)؛ فالمؤلف لم يضع كتابه كجزء من حقيقة كتاب آخر بالتشارك مع الآخرين، أي أن كتابه لم يكن (مراجعة وتقييمًا) لكتاب آخر كنوع من المشابهة الشكلية مع منتجين مماثلين للمراجعات والتقييمات، وإنما كان شيئًا ينتمي إلى خصوصيته، حياته، ثقافته، مزاجه الشخصي في زمن ما، رغباته وهواجسه وممارساته التخييلية، وهو بالضبط ما يفترض أن تُعبّر عنه كتابة القارئ دون تبعية لنسق عام يفرض تحويل هذا القارئ (إبداعه) إلى مجرد محرّك صغير من ضمن محركات لانهائية لتشغيل ماكينة المطلق. إنه نفس الفرق الجوهري بين مدونات القراءة مثلا التي تعتمد على الريفيوهات فقط، والنظام الذي يقوم عليه موقع جودريدز.
كتبت قراءات نقدية لأعداد هائلة من الكتب والنصوص، وبالتأكيد لا يوجد خط نهاية في علاقتي بأي منها.أعود دائمًا للأعمال التي كتبت عنها، وأعيد تناولها بمنظورات مختلفة في مقالات ودراسات أخرى فضلا بالتأكيد عن معالجتها في الكتابة الأدبية. نعم، يمتلك القارئ على جودريدز نفس الحرية؛ فهو يستطيع أن يكتب مراجعة تأخذ مكانها ضمن قطيع القراء في صفحة الكتاب، ثم يمكنه أن يكتب فيما بعد ما يشاء من التدوينات عن نفس الكتاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أقسام أخرى من الموقع ذاته .. حسنًا، هناك بالتالي أسئلة ضرورية: إذا كان بالإمكان التدوين عن الكتاب أكثر من مرة في أكثر من مكان وبطرق مختلفة لنفس القارئ وفي نفس الموقع: ما هي الحكمة من وجود صفحة مستقلة للكتاب إذن؟ .. أليست الصفحة الشخصية لمستخدم جودريدز هي الأشمل كـ (مساحة ذاتية تستوعب كافة المواقف التأويلية المتغيرة غير قابلة للسيطرة، والتي لا يمكن منحها الثقة الكاملة من حيث كونها القرار الأخير القاطع)، فضلا عن أنها تتفادى بوجودها كفضاء وحيد التعتيم المحتمل بقوة على الزوايا الأخرى للتناول، والذي يفرضه (الموقف الرسمي) أي المراجعة المكتوبة في صفحة الكتاب؟ .. ثم السؤال الأكثر بداهة: مع كل هذا الانعدام للاستقرار، ومع هذه الإمكانية التي لا تتعطل للتغيّر، ولإعادة الكتابة؛ أي حقيقة تعطيها نجوم التقييم إذن؟!. (يتبع)
جريدة (القصة) / العدد العاشر ـ أكتوبر 2017