الخميس، 16 يونيو 2016

حظيرة الأدب العربي

في مقاله عن رواية (الحريم) لـ (حمدي الجزار) كتب (الناقد الكبير الدكتور) (صلاح فضل): (لكن أعتب عليه بشدة طريقته فى وصف أمه عندما علمت بسقوط أبيه مغشياً عليه فى ورشته «كان ثدياها الكبيران اللامعان بماء الغسيل يهتزان بإيقاع متناغم مع هزة فردتى ردفيها» فلا يمكن للصبى أن يتحدث عن أمه بهذه الطريقة، ولو كنت من أبيه وقرأت هذا الوصف لأعدت كىّ أصابعه بحرص هذه المرة كى يتأدب) .. هذا مجرد مثال بسيط.
هناك انسجام منطقي بين الكتابة الأدبية العربية ونقدها .. الكتابة الأدبية العربية كتاريخ من المسالمة والنمطية الخاضعة لسلطة المقدس الديني وللقيم (الأخلاقية) الحاكمة للوعي الجمعي عند الشعوب العربية، والنقد الأدبي كخطاب داعم ومُرسّخ لهذه الهيمنة المعرفية .. (المنجز الأدبي) إذن هو مراكمة وتكاثر من النسخ المروضة الناجمة عن سيطرة الخطاب الاستبدادي العام الفائض باليقينيات القهرية المطلقة عن (الثوابت الأصلية للوجود الإنساني) .. النقاد العرب ـ عدا استثناءات نادرة ـ من الأكاديميين وغيرهم وحتى كتّاب الريفيوهات (الملقبين بالنقاد) بانطباعاتهم المباشرة وقراراتهم غير المكلِفة، المتباهية بعدم بذل الجهد اللازم لاختراق القشور النصية هم قطعان داجنة تتوالد عبر الزمن لخدمة هذه المرجعية الشمولية .. إذا كان معظم ما تنتجه الكتابة الأدبية العربية أقرب إلى تراص المتشابهات الأليفة وتكرار القوالب الآمنة وإعادة صياغة الأفكار والأطر التقليدية حيث لا تصادف انتهاكاً فعلياً أو تمرداً مخرباً يتسم بالغرابة الصادمة حقاً إلا في شكل مفاجآت عسيرة فإن النقاد العرب هم المعينون والمنذورون لحماية سلطة المقدس الديني وقيم الوعي الجمعي داخل هذه الكتابة .. موظفو الأمن، الأوصياء على (اللغة) و(البناء) و(المعنى)، الذين تستقر في أدمغتهم كافة الحقائق المؤكدة، والإجابات الحاسمة، غير القابلة للشك على جميع الأسئلة (الجوهرية): ماهي الكتابة؟ .. من الذي يمكنه أن يكتب؟ .. متى يكتب؟ .. ماذا يكتب؟ .. كيف يكتب؟ .. من الذي لا يمكنه أن يكتب؟ .. ما هو العقاب العادل لعدم الامتثال للشروط والأحكام؟ .. هؤلاء النقاد فضلاً عن دورهم في ترسيخ الهيمنة المعرفية عند القراء الذين تربوا على الطاعة العمياء لبديهيات الثقافة العربية نجحوا بامتياز في تحويل هؤلاء القراء (خاصة مع انفتاح فضاءات التصارع الاجتماعي على الإنترنت) نجحوا في تحويلهم إلى قبائل مُرهبة، يمارسون الترويع ضد بعضهم، وضد الكتّاب، وضد من يحاول منهم أن يكون كاتباً: (الكتابة ليست شيئاً هيّناً) .. (كم كتاباً قرأت حتى تكتب؟) .. (لا تتعجل النشر) .. (لا تفكر في الكتابة ثانية) ..  (ما كتبته لا يمت للإبداع بصلة) .. (هذا ليس شعرا) .. (ما كتبته يفتقد لكل "عناصر" الرواية) .. (المنجز الأدبي) الذي يتسارع في البلدان العربية إذن في (توافق) تام مع النقد الأدبي وهي فضيلة تتجاوز فكرة (الملاحقة) كما أنه ـ أي النقد ـ يجيد استثمار الوجاهة الكامنة في كلمة (العلم)؛ فالناقد الأكاديمي ـ كما سبق وذكرت في مقال سابق ـ يستغل هذه الصفة في تقوية قدرته على الهجوم والإرهاب خصوصاً لو كانت مدعومة بقدر ولو بسيط من التزمت الديني .. الأمر لا يدعو لأي نوع من القلق ففي مقابل كل فرد تعلّم الكتابة وامتلك المال لكي يطبع نتاجاً هناك الكثيرين من مصاصي الدماء في انتظاره.
شهادتي ضمن ملف (مع زيادة الانتاج الأدبي في العالم العربي .. هل تمكن النقد من ملاحقة المنجز الأدبي أم أن النقد حالة فوقية) للكاتب (علي لفتة سعيد) في جريدة (المدى).
http://www.almadapaper.net/ar/newsdetails.aspx?newsid=511640