الأحد، 25 ديسمبر 2022

شاهد ماشفش حاجة

لم تكن شخصًا يعجز عن النوم بسبب ضحكاتنا المتواصلة في نهاية المساء أمام العرض التليفزيوني الأول لمسرحية “شاهد ماشفش حاجة” وهو ما جعلك تنهض من فراشك وتخرج من غرفتك وتتوجه إلى التليفزيون وتغلقه .. كنت شخصًا يكره ضحكاتنا .. صحيح أنك رددت على اللوم الخافت لأخيك الأصغر بصياح مُرهب وأنت تخبره برغبتك في النوم؛ لكنني شعرت بحقدك على البهجة المؤقتة التي يغتنمها إخوتك في ظلام الصالة أمام المسرحية .. كان استسلام أخويك وانسحابهم التلقائي إلى حجرة نومنا غريبًا ومنطقيًا في نفس الوقت بالنسبة لي .. لم يكن ينبغي أن نرضخ لخسارة متعتنا بهذه البساطة، وأيضًا لم يكن ينبغي أن تتسبب تلك المتعة مهما كانت في معركة فضائحية جديدة، خاصة في هذا الوقت المتأخر من الليل .. أشفقت على نفسي وعلى أخويّ كضحايا لك .. كنا نستحق هذه الضحكات العابرة التي حرمتنا منها .. كنا نحتاجها بشدة .. والآن أثبت مجددًا كم نحن ضعفاء أمامك .. أننا خائبو الأمل لأبعد مدى في مواجهتك .. كل ما كنا عليه لم يكن سوى تجسيدًا للإذلال: التمتمة الاعتراضية المقهورة لأخيك .. النظرة المفتتة التي تناقلتها عيوننا بين الشاشة المطفأة وملامحك التهديدية وأنت عائد إلى غرفتك .. الصمت المهين الذي نهض بنا من أمام التليفزيون وأدخلنا حجرتنا ووضع رؤوسنا فوق الوسائد وأغمض جفوننا على نقمة مضاعفة.

لهذا لم تحصل البنت الوحيدة على حجرة مستقلة بها كما يُفترض، وإنما شاركت أخوين لها إحدى الحجرات، كنت أنا أحدهما .. لهذا كنت الأخ الوحيد الذي حصل على الحجرة المستقلة .. كان الزمن يفهمني سر ذلك ويؤكده مع مروره البطيء، الذي أصبح خاطفًا بأثر رجعي بعد موتك .. لم يكن من الممكن ان تشارك أحدًا من إخوتك حجرة واحدة .. كان يجب أن تتحوّل الحجرة الثانية التي تضم إخوتك الثلاثة إلى سجن متقطع، يساقون إليه في اللحظات التي يحكم خلالها غضبك المتوعّد بهذا .. كان يجب أن أكره وجودك بما يعادل مقدرتك على ترويعنا وكسر خواطرنا.

كنت تكره ضحكاتنا لأنك لا تستطيع الحصول على ضحكات مماثلة .. يمكنك أن تضحك كيفما تشاء الأمور، وأن تضحك كثيرًا أيضًا، وربما بصخب بالغ أحيانًا، لكنها ستكون ضحكاتك أنت لا ضحكات الآخرين .. الضحكات الناجمة عن أرقك الخاص الذي يحرمك من الطمأنينة .. قد تكون ضحكات الآخرين أقل حدوثًا وأكثر خفوتًا، ولكنها ناجمة عن هموم مختلفة .. كنت تكره ضحكاتنا لأنك كنت تتمنى لو قايضت أرقك المزمن بتلك الهموم الغريبة عنك في أرواح الآخرين .. الهموم التي ربما تكون أخف وطأة من الأرق الذي تعجز عن تحمّله .. لهذا لم يكن عدلًا أن تسمع ضحكاتنا وأنت في تلك الحالة .. لم يكن عدلًا ألا تسمح تلك الحالة بأن تتوحد مع اللاطمأنينة الكامنة في نفوس الضاحكين أمام المسرحية بحيث تدرك أن إيذائهم موجهًا أيضًا إلى نفسك، وبالضرورة تتحاشى إذلالهم .. لكن قبل أن يجدر وجود ما يمنعك من الحقد علينا؛ كان يجدر وجود ما يمنع المهانة عنك .. كان يجدر ألا نعيش ونموت أمام “شاهد ماشفش حاجة”.

جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.